+ A
A -
الأوروبيون غاضبون من البريطانيين,ويريدون أن يتمموا إجراءات الطلاق معهم بسرعة.لكن تداعيات الزلزال لاتتوقف عند حد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.المملكة المتحدة ذاتها مرشحة للتفكك؛اسكتلندا ترغب بالاستفتاء مرة ثانية على الإنفصال,وإيرلندا الشمالية تلوح بالخروج,وويلز تفكر بالشيء ذاته.حتى لندن هناك من بين مواطنيها من يدعو للاستقلال.وقبل هؤلاء جميعا جمهورية جبل طارق التي استعادت الحنين للزمن الإسباني.وأوروبا كلها تتلمس أحوالها تحسبا من المستقبل المجهول.
سيقاتل كبار أوروبا كي لاتنتقل العدوى الإنجليزية إلى باقي أعضاء الاتحاد؛فثمة شعوب تتململ,وتفكر بالعودة إلى بالزمن إلى الوراء.أكلاف الوحدة فاقت مكاسبها من وجهة نظرهم.أحزاب اليمين ابتهجت بنتائج الاستفتاء,وتتحفز للانقضاض على الاتحاد الأوروبي.
نحن في كل الأحوال نشهد لحظة تاريخية عجيبة فقد كافحت دول أوروبا الغربية عقودا لبناء وحدتها,وانتظرت أوروبا الشرقية طويلا قبل أن تلتحق بشقيقاتها. ومضى قطار الوحدة وسط اعجاب عالمي وحسرة شعوب تتمنى مستقبلا شبيها بمستقبل الأوروبيين الزاهر.
لكن تعب السنين الطويلة يكاد أن ينهار في ساعات. استفتاء بريطانيا مثل لحظة حزينة لكل الأوروبيين,ورسالة مخيبة لشعوب العالم الثالث,وشعوب العالم العربي على وجه التحديد التي ظلت تحلم بوحدة على غرار الاتحاد الأوروبي.
كان المأمول أن تتغلب الروح الأوروبية الواحدة على سواها من النزعات القومية والوطنية, وأن تتفوق الطبيعة العالمية للمجتمعات الأوروبية على الهويات والثقافات الكلاسيكية. غير أن العقد الأخير شهد انتكاسة كبيرة, تمثلت بصعود الأحزاب اليمينية ذات النزعة القومية على حساب أحزاب اليسار والوسط الديمقراطية والمتسامحة. قضايا إشكالية مثل الهجرة والعمالة الأجنبية والمتاعب المالية لعبت دورا حاسما في تبدل المزاج الأوروبي.وقد اعطت نتائج الإنتخابات التشريعية في فرنسا وهولندا وغيرها من الدول الأوروبية رسائل تحذير مبكرة لما ستكون عليه وجهة المجتمعات في المستقبل.
ولهذا ينتاب بعض الزعماء الأوروبيين اليوم قلق شديد من»دمينو» لايتوقف من دعوات الاستفتاء تجتاح دول الاتحاد تفضي في نهاية المطاف إلى تفكيكه,ليشهد بذلك القرن الجديد حدثا تاريخيا مشابها لما حصل في القرن الماضي,عندما انهار الاتحاد السوفيتيي وانفرط عقد الدول المنضوية فيما كان يعرف بحلف وارسو,وماتلاها من تحولات تاريخية عصفت بدول البلقان,وانهت بدورها الاتحاد اليوغسلافي.
نحتاج لبعض الوقت لتقدير التوقعات المحتملة للزلزال البريطاني؛فأوروبا ماتزال تحت وقع الصدمة,ولم تفق بعد.
لكن المؤكد حاليا,أن استفتاء بريطانيا يضعنا على اعتاب مرحلة عالمية جديدة, ستشهد مع مرور الوقت تغيرا جوهريا في خارطة القوى المهيمنة اقتصاديا وسياسيا,أو بمعنى أخر نظاما عالميا جديدا لم تتضح معالمه بعد,ويصعب التنبؤ بهوية القوى المتنفذة فيه.
لقد كنا حتى أيام قليلة نفكر بطريقة ساذجة,حين اعتقدنا أن منطقتنا فقط هى الوحيدة في العالم التي ستشهد تغيرات كبيرة تعيد رسم خريطتها وهوية بلدانها التي تعاني من تشظي أراضيها وشعوبها,وانتعاش هوايتهم الطائفية والإثنية.لنكتشف وعلى نحو مفاجىء أن مامن بقعة في العالم بمنأى عن التغيرات العاصفة, حتى تلك الدول العظمى التي رسمت حدود دولنا,وفصلت كياناتها.
الفارق الوحيد والكبير, هو أن عالمنا العربي يرسم خطوط مستقبله المبهم بدماء شعوبه,فيما صناديق الاقتراع هي التي تحسم خيارات الشعوب في الركن الغربي من العالم.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
30/06/2016
2600