+ A
A -
مضت عقود من حياتي وسط محيط عائلي من أشخاص عمليين، والشخصيات العملية تضع المصلحة فوق أي اعتبار، بما فيها اعتبار السعادة، وتروي لي والدتي أنها وإخوتها طلبوا من جدي الانضمام لنادٍ رياضي للتماثل مع أصدقائهم، فاحتاروا أي النوادي يختارون: أهلي أم زمالك. وبالصدفة نشر خبر عن إقامة مبارة كرة قدم بين الفريقين، فقرر جدي أن تحضر العائلة كلها المباراة على أن تنضم الأسرة للفريق المنتصر. لكنه طلب منهم أن يظل موضوع المباراة والنادي سرًا لا يعلم به والده رجل الأعمال الكبير الذي سيستتفه فكرة إنفاق أسرته مبلغًا ضخمًا من المال للاشتراك في ناد أو مشاهدة مبارة يتسابق فيها 11 فردا على وضع كرة من الجلد في شباك فريق آخر. إذ ما هو مصدر السعادة في أن يحقق سواك مكسب لا ناقة لك فيه ولا جمل؟ ثم لما تثور أو تفرح؟ لما تحزن أو تشطاط كون 11 شخصا لم تقابلهم يومًا في حياتك قد حققوا فوزًا لا دخل لك فيه؟ وماذا يعود ذلك عليك؟ لماذا تهدأ نفوس الناس بالصراخ والهتافات؟ ألا يعبر هذا عن حول في نفوس الجماهير التي ترتاح من نفثات غضوبة بسبب غلاء، فقر أو قهر، فلا يتاح لها سوى فرصة الصراخ لهدف كروي أحرزه سواهم، فيهدأ جوفهم المضطرب بجهود غيرهم؟! يهتفون يتهاوشون ويصرخون حتى يهدأون وينفثون ما يعتمل في قرارة نفوسهم الغير مطمئنة، لذلك قرر جدي حضور المبارة خلسة مع أولاده دون إعلام والده أي جدي الأكبر. انتصر فريق الأهلي وانضمت الأسرة للنادي العريق. ولعمر كامل، عاينت بنفسي كيف يحدث الشقاق، الهمز واللمز والمشاكسات بين أفراد العائلات سيما بين الأصهار من ذوي الانتماءات الرياضية المختلفة في قضية لا مكسب شخصي لهم فيها. فلا أذكر أن حصل فردًا من أعضاء أسرتي على ميدالية ذهبية أو حتى برونزية واحدة ولا يمارسون الرياضة بشكل مستدام إلا النذير منهم، لكنهم اتفقوا على ضرورة التعصب لفرقتهم.. لقد مارسوا التعصب كعادة. وإذا كان الأمر على هذا النحو في الصعيد العائلي، فالأمر أسوأ بكثير على المستوى العالمي. فكم أفرزت نتائج المباريات وتحديدًا مباريات كرة القدم أحداثًا مؤسفة في مئات بلدان عالم، يعقب ذلك خروج المسؤولين بتصريحات لاذعة منها ما قالته مارغريت تاتشر يومًا عقب مبارة أنجلترا والأرجنتين والتي نجمت عنها أحداث شغب مات البعض بسببها. هناك خاطبت الجماهير الإنجليزية قائلة: «اليوم أنا أخجل من كوني إنجليزية». ويحضرني حديث يورجن كلوب، مدرب ليفربول، حين ألقى كلمة بمناسبة تتويجه كأحسن مدرب في العالم، فقد نثر عبارات معبرة أرجو أن يعيها المشجعين عامة والشباب خاصة في كلمة ألقاها بمناسبة تتويجه كأحسن مدرب في العالم: «كرة القدم مجرد لعبة يستمتع بها الناس نهاية الأسبوع، لا شيء يمكن أن تضيفه غير هذا، ولن تحل مشاكل الفقراء واللاجئين، كما لن توقف حروبًا ولن تأتي بالديموقراطية. نتلقى أموالًا كثيرة لننسي الناس تعاستهم لتسعين دقيقة، ندفعهم ليصرخوا ويهتفوا حتى يهدأوا وينفسوا عن جوفهم المضطرب. نؤدي وظيفة فقط، وعلى الناس العودة لحياتهم بمجرد سماع صافرة الحكم، الحياة لا تتوقف على كرة من الجلد». بالطبع هناك هيئات عالمية تتكسب من كرة الجلد هذه ويعنيها أن تظل الجماهير مشتعلة، ومتعصبة، للتقوت من نيران غضب الجماهير. ياليتنا نراجع أنفسنا ونفهم أن كرة الجلد صماء لا تضر ولا تنفع. كاتبة مصرية
مضت عقود من حياتي وسط محيط عائلي من أشخاص عمليين، والشخصيات العملية تضع المصلحة فوق أي اعتبار، بما فيها اعتبار السعادة، وتروي لي والدتي أنها وإخوتها طلبوا من جدي الانضمام لنادٍ رياضي للتماثل مع أصدقائهم، فاحتاروا أي النوادي يختارون: أهلي أم زمالك. وبالصدفة نشر خبر عن إقامة مبارة كرة قدم بين الفريقين، فقرر جدي أن تحضر العائلة كلها المباراة على أن تنضم الأسرة للفريق المنتصر. لكنه طلب منهم أن يظل موضوع المباراة والنادي سرًا لا يعلم به والده رجل الأعمال الكبير الذي سيستتفه فكرة إنفاق أسرته مبلغًا ضخمًا من المال للاشتراك في ناد أو مشاهدة مبارة يتسابق فيها 11 فردا على وضع كرة من الجلد في شباك فريق آخر. إذ ما هو مصدر السعادة في أن يحقق سواك مكسب لا ناقة لك فيه ولا جمل؟ ثم لما تثور أو تفرح؟ لما تحزن أو تشطاط كون 11 شخصا لم تقابلهم يومًا في حياتك قد حققوا فوزًا لا دخل لك فيه؟ وماذا يعود ذلك عليك؟ لماذا تهدأ نفوس الناس بالصراخ والهتافات؟ ألا يعبر هذا عن حول في نفوس الجماهير التي ترتاح من نفثات غضوبة بسبب غلاء، فقر أو قهر، فلا يتاح لها سوى فرصة الصراخ لهدف كروي أحرزه سواهم، فيهدأ جوفهم المضطرب بجهود غيرهم؟! يهتفون يتهاوشون ويصرخون حتى يهدأون وينفثون ما يعتمل في قرارة نفوسهم الغير مطمئنة، لذلك قرر جدي حضور المبارة خلسة مع أولاده دون إعلام والده أي جدي الأكبر. انتصر فريق الأهلي وانضمت الأسرة للنادي العريق. ولعمر كامل، عاينت بنفسي كيف يحدث الشقاق، الهمز واللمز والمشاكسات بين أفراد العائلات سيما بين الأصهار من ذوي الانتماءات الرياضية المختلفة في قضية لا مكسب شخصي لهم فيها. فلا أذكر أن حصل فردًا من أعضاء أسرتي على ميدالية ذهبية أو حتى برونزية واحدة ولا يمارسون الرياضة بشكل مستدام إلا النذير منهم، لكنهم اتفقوا على ضرورة التعصب لفرقتهم.. لقد مارسوا التعصب كعادة. وإذا كان الأمر على هذا النحو في الصعيد العائلي، فالأمر أسوأ بكثير على المستوى العالمي. فكم أفرزت نتائج المباريات وتحديدًا مباريات كرة القدم أحداثًا مؤسفة في مئات بلدان عالم، يعقب ذلك خروج المسؤولين بتصريحات لاذعة منها ما قالته مارغريت تاتشر يومًا عقب مبارة أنجلترا والأرجنتين والتي نجمت عنها أحداث شغب مات البعض بسببها. هناك خاطبت الجماهير الإنجليزية قائلة: «اليوم أنا أخجل من كوني إنجليزية». ويحضرني حديث يورجن كلوب، مدرب ليفربول، حين ألقى كلمة بمناسبة تتويجه كأحسن مدرب في العالم، فقد نثر عبارات معبرة أرجو أن يعيها المشجعين عامة والشباب خاصة في كلمة ألقاها بمناسبة تتويجه كأحسن مدرب في العالم: «كرة القدم مجرد لعبة يستمتع بها الناس نهاية الأسبوع، لا شيء يمكن أن تضيفه غير هذا، ولن تحل مشاكل الفقراء واللاجئين، كما لن توقف حروبًا ولن تأتي بالديموقراطية. نتلقى أموالًا كثيرة لننسي الناس تعاستهم لتسعين دقيقة، ندفعهم ليصرخوا ويهتفوا حتى يهدأوا وينفسوا عن جوفهم المضطرب. نؤدي وظيفة فقط، وعلى الناس العودة لحياتهم بمجرد سماع صافرة الحكم، الحياة لا تتوقف على كرة من الجلد». بالطبع هناك هيئات عالمية تتكسب من كرة الجلد هذه ويعنيها أن تظل الجماهير مشتعلة، ومتعصبة، للتقوت من نيران غضب الجماهير. ياليتنا نراجع أنفسنا ونفهم أن كرة الجلد صماء لا تضر ولا تنفع.


بقلم :داليا الحديدي
copy short url   نسخ
14/03/2020
1643