+ A
A -
تُنبِينا الأيَّامُ أنَّ هُناكَ جُرمًا صغيرًا لا يُرى يجتاحُ العالمُ يُسمَّى بفيروس كورونا المستجِدّ (كوفيد 19) الذي ظهَر لأوَّل مرَّة يوم 31 ديسمبر 2019 في مدينة ووهان الصينيَّة وانتشَرَ بشكلٍ مُتصاعِد وبوتيرَةٍ سريعة، ما أدَّى إلى أن تُصنِّفهُ منظمة الصحَّة العالميَّة على أنّه جائحة وباء عالمي. ويعُود السبب إلى تصنيفِهِ بهذا الشكل؛ نظرًا لسُرعته في تفشِّي العدوى واتِّساعُ نِطاق ظهُورِ هذا الفيروس الجديد في العالم، إضافةً إلى قُصور النهج المتَّبَع في بعض الدول، خاصَّةَ على مُستوى الإدارة السياسيَّة؛ للسيطرة على تفشيه. ورُغمَ أنَّ مصطلح وباء جائحة عالميًا تمّ استخدامُهُ من قبَل منظمة الصحَّة العالميَّة منذُ ما لا يقِل عن 10 سنوات وتحديدًا في العام 2009 عندما تفشَّى فيروس إنفلونزا الخنازير في أغلَبِ دُول العالم، إلا أنَّ نطاق تأثيره الفعلي على الحياة العامَّة كان محدودًا، حيثُ لم تُعطَّل، حينها في معظم دول العالم المتأثِّرة، مظاهر المعاش المختلفة من عمل وتعليم ومواصلات إلى مختلف أشكال ومُناسبات التجمُّع البشري. ويظهر أنَّ وباء الإنفلونزا المستجد (كوفيد 19) جاءَ أشَدَّ وطيسًا مما قبله، فعُطلَت كثيرٌ من أوجِه الحياة اليوميَّة في غالبيَّة دول العالم وأُطلقت برامِج التعقيم الطبيَّة كنوعٍ من الإجراءات الوقائيَّة للحَدِّ من انتشار الفيروس وحماية الصحَّة والسلامة العامَّة، وذلك في ظِل عدم اكتشاف لُقاحٍ مُضادٍّ يقِي من الإصابةِ بهِ حتى الآن. قارئي العزيز، للأسف الشديد تسبَّبَ الفعل الإنسانِي غير المسؤول بأنواعِهِ وصُورِهِ المختلفة في تفشِّي هذا الوباء العالمِي وغيره من الأوبئة والجوائِح، وكانَ الإهمال والأنانيَّة السبب الأكبر في ظهورها وتفشِّيها وصُعوبة السيطرة عليها، رُغمَ كُلِّ ما تبذُلُهُ الدوَل والمنظمات الصحيَّة من أدوارٍ توعويَّة ووقائيَّة وعلاجيَّة، عبر إمكانياتِها المتاحَة المتقدِّمَة منها والمتواضعَة. وأمام هذا الفعل الإنساني الكارثِي، يبرُز دور اتِّصالُ الأزمات، فهو السبيلُ أمام المؤسسات والمُنظمات الحكوميَّة والخاصَّة لحِماية وصِيانة الحياة البشريَّة والتغلُّب على تداعِيات هذه الأزمة الوباء العالمي في بُعديها الاتصالِي والتقنِي التشغيلِي، ومُحاولة تقليل التهديدات والمخاطِر التي تنجِمُها الأزمة أثناء وبعد نشوئِها، ما استطاعَت لهُ سبيلًا. أتفهَّمُ تمامًا أنَّ الكثير من المؤسسات المنظمات من حولِنا، اليوم، تواجِهُ وباءً جديدًا من نوعه، مفاجئًا للجميع في ظهوره، مُهددًا للأنشطة الحالية والمستقبليَّة والمحتملة المقرّرَة، علاوةً على أنَّ كمية المعلومات والمُعطيات حولَهُ شحيحة حتى الآن، وكُل ما يُمكن تقديمَهُ، من طرفِ هذه المؤسسات، لجماهيرها الداخِلِيَّة والخارجيَّة والمتوقعَة، هي التأكيد على الرسائِل الاتصاليَّة التي تهدِفُ إلى اتّباع الإجراءاتِ الاحترازيَّة الوقائيَّة من هذا الجُرم المستفحِل وبثَ التعليمات التي من شأنِها إتمام عمل المنظمة المؤسسة بشكلٍ لا يقوِّضُ، قدرَ الإمكان، من دورها المُجتمعي وأهدافها الاستراتيجيَّة العُليا. ورُغم ذلك، يبدُو أنَّ هذِهِ الفترة الحرجة من تاريخنا الإنسانِي المشترَك ستكونُ خير (تجربَة تطبيق تنظيميَّة وإداريَّة واتّصاليَّة) لكثيرٍ من مؤسسات المجتمع المدني التي أهملَت تطوير آلياتِها وأنظمتها المعدَّة لمواجهة الأزمات والمخاطِر التي قد تلُمّ بالمؤسسة المجتمع الدولة العالم في أي لحظة من اللحظات، فأغلب المؤسسات تُهمل النظر إلى هذا الجانِب، بسبب تركيزها على تحقيق أهدافِها القريبة والبعيدة، وتؤجِّلُ تباعًا الاهتمام بتطوير وتدريب كواردها على مواجهة أي أزمة أو حدث يهُزُّ كيان المؤسسة بسبب ما تفرضُهُ أولويات العمل والخُطط التوسعيَّة الراهنة. تجربة التطبيق هذه بخبرات الصواب والخطأ عليها أن توقِظ أهمية إدراك الخطر القريب والمحتمَل الذي تهدف لهُ استراتيجيَّة اتصال الأزمات، فالثقة بالبيئة والأوضاع الراهنة تجعل كثيرا من المؤسسات المحلية والعالمية في مرحلة تأجيل لتقوية هذا الاتصال الاستراتيجي الهام جدًا، ليس فقط لمنظمة المؤسسة المعنيَّة إنما للمجتمع الذي تعيش وتخدم فيه هذه المؤسسة، فباقة الخدمات التي تقدِّمُها الجهة (الأطراف المؤثِّرَة) والجمهور الذي يعمل أو يستفيد أو حتى يتوقَّع هذه الخدمات (الأطراف المتأثِّرَة)؛ سيتأثَّر بشكل كبير إن لم يُنظَر للآليات الخطوات (المنطقيَّة) المتّبعة أثناء وقع أي أزمة صغيرة أو كبيرة، محلية أو حتى عالمية، مثل أزمة وباء فيروس (كوفيد 19) العالميَّة. وفي مقابِل هذا التعلُّم بالمواجهة الذي تقوم بهِ بعض المؤسسات غير المُهيّئَة لمواجهة هذا الوباء العالمي، تبرُز دور مؤسسات أُخرى أعدَّت العُدَّة بشكلٍ مُسبق، وبسيناريوهات (مكتوبة ومُخططة) جاهزة لاحتمالية وقوع أزمة ماثلة أو شبيهة في أي وقت من الأوقات، هذه المؤسسات، ورغم أن هذا التهديد جديد شكلًا ونوعًا بالنسبة لها ولطواقِم العمل والخدمة لديها، إلا أنَّها حاولت أن تقدِّم بشكل (سريع ومنطقي) المعلومات اللازمة لمكافحة تفشِّي الوباء والإرشادات المتبعة لصيرورة الحياة المهنية التعليمية التنظيمية الخدميَّة التي تقدِّمها لجماهيرها المختلفة. إنَّ هذا الثبات والتدرُّج هو نوعٌ من الطمأنينة التي يحتاجُها المجتمع في مثل هذه الأزمات التي تعصِف به، وفي كلا التنظيمين المختلفين لمواجهة هذا الوباء العالمي (اتصال الأزمات الممنهَج أو العشوائِي)، فإنَّ هذه المحنة ستُعلمنا دروسًا يجب أن نستفيد منها على كافَّة المستويات؛ لتزيد من مهنيتنا واحترافيتنا، أفرادًا وجماعات ومؤسسات على مواجهة مثل هذه الأزمات والجوائِح محليةً كانت أو عالمية. وأشير ختامًا إلى دور المسؤوليَّة المجتمعيَّة تجاه مكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، فإحساس الجميع بأنَّ لهم دورًا وقائيًا وعلاجيًا وتوعويًا هو الترياق والعلاج الواقي بإذن الله تعالى لأي خطر أو تهديد إصابة، كما أنَّ هذه المسؤولية الفرديَّة والجماعيَّة من شأنِها أن تخدم اتصال الأزمات التي تقوم بِه الدولة ومؤسساتها المختلفة لمواجهة هذا الوباء العالمي، فمن دون دعم إيجابي من كافَّة شرائِح المجتمع تكون هذه الإرشادات الاحترازية والوقائيَّة والإجراءات البديلة لصيرورة الحياة كُلها شكلًا (عقيمًا) من أشكال المواجهة. وعليه، فإنَّ تفاعُل الجميع هام، ودور كُل شخص منا في أسرته أو منظمته أو حيَّه هامٌ للغاية، ومع تضافُر كُل هذه الأدوار في دائرتنا المجتمعيَّة بإذن الله تعالى سنُحقِّق مطلب الحماية والوقاية ثمَّ العِلاج. وفي الختام، أؤكِّد على أهميَّة أن نتلقَ المعلومات من مصادِرها الصحيحة، فمع وجود هذا الوباء ثمَّة وباء معلوماتي آخر يستفحِل في هذه المعمورة، تقدَّمُ فيه معلومات مغلوطة وشائعات وأخبار مجهولة المصدر هدفُها الأساسي زعزعة الأمن القومي وبثّ الذُعر والخوف في النفوس وإشغال الناس في حرف نقل وبث وتدوير هذه المعلومات إضعافًا للنفوس وللمجتمعات، وهذا أمرٌ آخر علينا أن نتوعَّى لضرَرِه وأن نكافحَة بكافَّة الطُرُق، كُلُّ من جهته. اللهُمَّ احفظنا جميعًا بحفظك ورحمتك واشفِ كُل مرضانا وعافهم وارضَ عنهم.
بقلم: خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
14/03/2020
4439