+ A
A -
منذ بدأ توارد الأنباء عن ظهور فيروس جديد من سلالة كورونا مطلع العام الجاري وخروجه عن السيطرة والاحتواء داخل مدينة ووهان بإقليم هوباي في الصين والذي ترجع الإصابات الأولى به إلى شهر ديسمبر من العام الماضي ثم سرعة انتشاره حول العالم خاصة في الأسبوعين الأخيرين وأنا أتابع ردود الفعل وطرق التعامل مع الفيروس ووجدتني وبطريقة لا إرادية أقوم بعقد المقارنات بين ما اصطلح على تسميتها بدول العالم الأول والعالم الثالث من حيث البيانات والاحصائيات حول معدل انتشار الفيروس والمصابين به ونسب التعافي منه والإجراءات التي تقوم بها على الأرض لمحاربة خصم خفي ما تجهله عنه الغالبية من خارج القطاع الصحي أكثر مما تعلمه.
المختلف هذه المرة هو عدم ارتباط الفيروس بمنطقة جغرافية بعينها أو تجمع بشري وثقافة دون غيرها، ذابت الفوارق الاجتماعية واختفت الحدود الجغرافية وتقلصت المسافات وتراجعت إلى خلفية الصورة الخصومات السياسية والنزاعات بأنواعها، حيث هناك من بين المصابين بالفيروس من هم في أعلى هرم السلطة وصولًا للطبقات البسيطة وتوحد الجميع في حالة الخوف والقلق والترقب ووجدنا في أكثر التجمعات تحضرًا وتقدمًا وقوع مشاجرات حول مواد التنظيف والتعقيم والمواد الغذائية في مشاهد تشعر وكأنها قادمة من داخل فيلم سينمائي يتناول بسيناريو خيالي نهاية العالم بالتزامن مع توجه الكثير من الدول لإجراءات أكثر صرامة من حيث تقييد حركة السفر والتنقل داخليًا وخارجيًا ومنع التجمعات وتعليق الدراسة وتحولت الكثير من المناطق في عدة دول إلى ما يشبه مدن الأشباح وبات واضحًا عجز وتواضع إمكانيات الكثير من الدول عن التعامل مع الأزمة فتلجأ لإخفاء الأرقام الحقيقية أو إنكار وجود إصابات بالمرض على أرأضيها وهو ما أشارت إليه تقارير ونشرات منظمة الصحة العالمية منذ أيام التي وفي حادثة نادرة أصبحت هي وليس مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي ولا الناتو إلخ إلخ الجهة والمرجع الرئيسي وربما الوحيد الذي يتلقف الجميع توصياته وتوجيهاته ويقوم بتنفيذها دون إبطاء وقدر المستطاع، خاصةً بعد إعلان المنظمة على لسان مديرها العام «تيدروس أدهانوم غيبريسوس» الأربعاء 11 مارس 2020 أن فيروس كورونا «كوفيد-19» قد أصبح وباء عالميا بعد تضاعف عدد الإصابات خارج المركز -الصين- 13 ضعفا خلال الأسبوعين الأخيرين وتضاعفت الدول المتضررة منه 3 أضعاف ووصول الحالات إلى 118 ألف حالة في 114 دولة ووفاة 4291 شخصا لحظة الإعلان.
وفي ظل اختلاط للأوراق وتخبط واضح مصدره الأكبر هو ما جعل العالم قرية واحدة صغيرة فكما كان للتكنولوجيا ووسائل الاتصال والتنقل وشبكات التواصل الاجتماعي فوائدها في جعل تلك المقولة حقيقة وواقع فمن مساوئها الكبرى انتشار الشائعات والأخبار المفبركة والمغلوطة بوتيرة جعلت من الصعوبة بمكان لقطاعات واسعة من البشر التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف في أوضاع حرجة وحساسة كما هو الحال مع كل ما يتعلق بفيروس كورونا حاليًا، والذي أصبح التعاون بين دول العالم لاحتوائه وإيجاد العلاج اللازم له على اختلافها هو أمر حتمي لا مفر منه رغم كل ما يرتبط به من حسابات تفرضها قواعد السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وتوجهات رأس المال والربح والخسارة وكلنا رأينا تهاوي أسعار النفط والخسائر المهولة في أسواق الأسهم والبورصات العالمية وتغير أبجديات وأسس الاقتصاد العالمي خلال أسابيع معدودة ويأتي في المقدمة ما حدث للاقتصاد الصيني من خسائر وتراجع متوقع أن يستمر في الفترة القادمة حتى في حالة الوصول إلى لقاح لمعالجة الفيروس واحتوائه، نعم الفيروس غير قاتل ويكمن تهديده الأكبر في سرعة انتشاره وتفرده من حيث الطرق المتعددة للإصابة به والمخاوف من تحوره وتحوله لنسخ أشد فتكًا وأكثر خطورة وما قد يتبع هذا من تزايد لفرض حالة السكون والتقوقع على مستوى الدول والحكومات وليس الأفراد وتلك هي المشكلة الحقيقية التي لم يتم تناولها بالشكل الملائم حتى اللحظة في ظل نظام عالمي نسفت فيه نظريات الانعزال والاكتفاء الذاتي وذهبت إلى غير رجعة، وأصبح العالم بالفعل قرية صغيرة يحتاج سكانها إلى بعضهم البعض وباتت مهددة جديًا من قِبَل فيروس متناهي الصغر.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
14/03/2020
1548