+ A
A -
هناك خطأ يقع فيه الكثيرون عند تناول ما يحدث على الساحة السورية وهو الاعتقاد أن الصراع الدائر هناك منذ 2011 هو صراع بين الشعب الثائر من جهة والنظام الحاكم من جهة أخرى وتحول هذا الصراع من الحالة السلمية إلى الحالة المسلحة عقب الرد العنيف والبالغ القسوة والدموية من النظام تجاه المتظاهرين السلميين في رفض قاطع لمطالبهم المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية،
ثم تشكل ما يشبه معسكرين الأول مع النظام والثاني ضده، لكن الحال على الأرض يوضح وبشكل قاطع صراعات وحسابات وتحالفات واختلافات وخصومات وتفاهمات القوى والأحلاف الدولية على الأراضي السورية وبصورة يعجز معها حتى المتخصصون عن تصنيف المعسكرات وحساب من مع من، ومن ضد من، في ظل وضعية معقدة ومتداخلة بطريقة لن تجد لها مثيلًا خارج سوريا، لكن تتابع الأحداث قد يرجح أن التحالفات والتفاهمات هي من حددت شكل الصراع والثورة منذ البداية وليس العكس.
يمكن تفسير ذهاب نظام بشار الأسد للحل العنيف والدموي لتأثره بطريقة والده حافظ الأسد فقد ورث عنه عسكرة وعنف الرد كما ورث المنصب، فقد سبقه بارتكاب مذبحة حماة عام 1982 وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين واختفاء آلاف آخرين دون أدنى أثر حتى يومنا هذا، وأيضًا اعتماد النظام على طوئفة منظومة الحكم بحيث أصبح الطائفة العلوية التي ينتسب لها آل الأسد هي الممسكة بكافة مفاصل الدولة وبالأخص المؤسسة العسكرية منذ عهد الرئيس الأب والذي استولى على الحكم بالتدريج فبعد اشتراكه في انقلاب فبراير 1966 وتولى وزارة الدفاع على إثره وعقب هزيمة يونيو 1967 والتي فقدت سوريا بسببها مرتفعات الجولان البالغة الأهمية ورغم أنه كان وزير الدفاع وقائد سلاح الطيران أثناء الحرب فقد نجح في استغلال عدم الاستقرار السياسي بعدها والقيام بانقلاب عسكري عام 1970 ثم تولى الرئاسة عام 1971 وجاء اشتراك سوريا في حرب 1973 وتوقف العمليات العسكرية بعقد اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل عام 1974 وهو لا ينهي الحرب من الناحية الرسمية ولكن يتضمن بقاء الجولان تحت سيطرة إسرائيل وهو ما يجعل منها لاعبا أساسيا في ما يجري على الساحة السورية من حيث تفضيلها لبقاء نظام الأسد في عهدي الأب والابن والذي حافظ على هدوء جبهتها الشمالية دون إطلاق رصاصة منذ العام 1974 وهو ما يفسر عدم حماس الغرب الأميركي والأوروبي ناهيك عن الحليف الروسي للعمل على إزاحة الأسد عن سدة الحكم رغم ارتكابه مجازر مروعة وتغيير شبه كامل للخريطة الديموغرافية داخل سوريا ونزوح الملايين من اللاجئين داخل البلاد وخارجها في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في العصر الحديث.
وعلى الأرض تتقاطع المصالح وتتضارب من حيث دعم إيران اللامحدود لحليفها القديم الجديد لأن سقوطه يعني بالتبعية التأثير على نفوذها في العراق وقطع خطوط الإمداد لحزب الله -ذراعها في لبنان- وسيضعف أسطورتها المرتكزة على دعاوى معاداة أميركا وإسرائيل والعمل على تحرير القدس وتريد بالمقابل ثمن ما قدمته للنظام سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا طوال سنوات وهناك عمليات الإعمار والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات بعد أن تضع الحرب أوزراها عند تفاهم جميع الأطراف المؤثرة والداعمة لأدوات تلك الحرب على الأرض.
وهناك روسيا التي لن تقبل بأي حال من الأحوال خروجها من منطقة نفوذها وتواجدها الوحيدة في منطقة المتوسط والشرق الأوسط والتي تضمن لها ناهيك عن التواجد العسكري والنفوذ السياسي مكاسب اقتصادية ضخمة فهناك تجربة منتجاتها من مختلف أنواع الأسلحة على الشعب السوري في ميدان مفتوح وهو ما أدى لارتفاع مبيعات الأسلحة الروسية حول العالم في العقد الأخير ونصيبها من عقود الإعمار والاقتصاد السوري وورقة هامة في علاقاتها مع إسرائيل من حيث ضمان ضبط الجبهة السورية المتاخمة لها وعدم انفلاتها أو تحولها لنقطة انطلاق لأي تهديد لدولة الاحتلال في ظل اعتماد نظام الأسد شبه الكامل على الغطاء السياسي الروسي خصوصًا في مجلس الأمن مما يمنع أي تحرك دولي ضده بغطاء أممي.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
06/03/2020
1259