+ A
A -
أسفرت الجريمة الإرهابية التي نفذها يميني عنصري على مقهى في مدينة هاناو الألمانية، عن مقتل 11 ضحية وجرح آخرين، الضحايا من أصل تركي مسلم، بعدها بيوم تعرض من يرفع الأذان في مسجد ريجنت بارك في وسط لندن للطعن، وكلتا الحالتين تأتي عبر تطور متصاعد لحالة استهداف مواطني الغرب المسلمين أو المهاجرين، والتي لم تتوقف بل تزايدت بعد جريمة مسجدي نيوزلندا مارس 2019 وجريمة مسجد كيبيك يناير 2017.
ومن المهم أن نشير ونحن في مطلع 2020 لتدهور الموقف في كيبيك، وسن تشريعات مضيقة على الكنديين المسلمين، وعودة حملة الكراهية بصوة أكبر، ويشير هذا التسلسل والتصاعد، إلى مؤشر مهم للحاضن الثقافي لتيار الكراهية العنصري اليميني في الغرب.
ولعل الإحصائيات لا تشير إلى تحول هذا اليمين المتطرف لحالة غالبية، لكن مجمل الكراهية للمواطنين من أصول عربية ومسلمة، يتصاعد وهناك رصد واضح لصعود مشاعر الكراهية اليميني، وتمكنه في مجتمعات غربية عديدة، تشمل الدول الاسكندنافية، وأميركا الشمالية، ومن المفيد هنا ان نستذكر أنه لا مقارنة مطلقاً، في حملات السياسيين والإعلام الغربي، بين موقفهم من الجرائم الإرهابية التي ترتكبها منظمات متطرفة تنتمي (للسلفية الجهادية)، وأعمال العنف والكراهية والإرهاب التي ينفذها يمينيون عنصريون.
ومع التأكيد للدور الرائع لقطاعات من المجتمع المدني الغربي المتضامن مع المسلمين أمام موجات العنف والكراهية، لكن الخطر هو أن التعاطي الرسمي، يفرض حالة قبول ضمني لمثل هذه العمليات، فالتغطيات الإعلامية أو التضامن الرسمي محدود جداً ينتهي أثره في المجتمع سريعاً، ولا يتم إعادة طرح هذه التهديدات برلمانيا لتشرع قوانين سياسية.
ومع أن انجيلا ميركل هي من أفضل الشخصيات السياسية في أوروبا، التي مارست توازنا ثقافيا وسياسيا إيجابيا مع المسلمين والعرب، إلا أن النازية الألمانية تعود اليوم لكي تستهدف المسلمين وهم الطرف الأضعف، في معادلة التعدد المجتمعي للغرب.
في حين تعتبر الخيارات السياسية المرشحة لخلافة ميركل أسوأ في حالة التعامل مع حقوق المسلمين الألمان أو المهاجرين، ونلاحظ هنا في مشهد آخر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأمام تحديات اجتماعية كبيرة، لمطالب حركة السترات الصفراء، المتعلقة بحقوق العدالة الاجتماعية للطبقات الفقيرة في فرنسا، يقفز اليوم إلى صناعة حرب عن (الانفصالية الإسلامية) في فرنسا. ولسنا نقول إن مجتمعات المسلمين في الغرب، ولا مراكزهم أو مساجدهم تخلو من خلل ثقافي بيّن، ونقص تأهيلي، غير أن قضية المعالجة الفرنسية، لم تتحول لحل أزمة فرنسا، ومنها إعادة تأهيل حقوقي للأحياء التي تمثل غالبيتها أصول عربية أو أفريقية، ولا في خلق جسور تفاهم حواري، رغم ان المجتمعات المسلمة في فرنسا وغيرها، لم تطرح مطلقاً فكرة مشاركة تشريعية للإسلام، وإنما يسعى مسلمو الغرب، لحماية قانونية وسياسية لحقوقهم الشخصية والثقافية.
ولكن ماكرون المهتم أيضا بالتدخل في ليبيا ودعم أحد طرفي الحرب، لصالح باريس، لم يقم بأي مجهود يحتوي هذا الصراع الطبقي، وهذا رأي النخبة الفرنسية اليسارية، التي تشير إلى تراجع حقوق الفرد، ومساحة واجبات الدولة الاقتصادية لصالح المواطن في فرنسا.
إن هذا الأمر يشير إلى اللعبة القذرة على حياة مواطني الغرب المسلمين، وهي أن العملية السياسية بين اليمين واليسار، واليسار المقصود هنا المنحاز ضد الأقليات، تبرر تراجع الحالة الاقتصادية وصعود التوحش الرأسمالي، عبر اتهام مواطني الغرب المسلمين الذي هاجروا قديماً أو حديثاً، وهكذا ترسخ ثقافة الكراهية في الإعلام وفي المجتمع، من خلال نشر هذه الرؤية يشيطن الإسلام والمسلمون، دون توقف فكري حواري يراجع أسباب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الغرب.
إن المهجر الغربي اليوم أمامه تحدٍ آخر، وهو عجز لغته الثقافية وغياب نماذج شراكته لصالح العدالة الاجتماعية، لكل مواطنيه في مهجره الجديد، فالاكتفاء بخطاب المظالم الحقيقي، دون نشر الوعي الفكري المناسب لخطابهم المعاصر، وتحويل فكر الإسلام المعرفي، إلى مشاريع مشاركة وجسور اجتماعية، يعزز الحصار عليهم.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
23/02/2020
2121