+ A
A -
إن في قدرتنا أن نفعل كل شيء إلا شيئا واحدا هو تشويه صوت الحياة.... كلمات صدرت من كاتب تعرض لإهانات قاسية وانتقادات مهينة لم يتعرض لها كاتب من قبل «باسترناك» وتم تشويه صورته لدى أبناء شعبه الذين لم يطلعوا على كتابه، وأجبرته حكومته على التخلي عن جائزة نوبل فكتب معتذرا عنها: «بسبب التفسير الذي أعطي للجائزة في المجتمع الذي أنتمي اليه» ويقصد بالتفسير ما قالته دور النشر حين رفضت طبع كتابه «الدكتور زيفاجو» الشيء الذي أزعجنا في قصتك هو شيء لا يستطيع رؤساء التحرير أو المؤلف ان يغيره باستبعاده أو تنقيحه، اننا نعني روح القصة ومضمونها ووجهة نظر المؤلف في الحياة» والمقصود بوجهة نظر المؤلف هو ما جاء على لسان بطل القصة «زيفاجو» المشتق من كلمة زيفي بالروسية وتعني «الحي» إذ يقول: «طاقة الحقيقة لا تملك سلاحا ولكن لا يمكن مقاومتها.. وفكرة الاصلاح الاجتماعي كما فهمت منذ الثورة لا تملأني حماسة، انها ابعد كثيرا من أن توضع موضع التنفيذ.. ومجرد الكلام عنها كلف بحرا من الدماء، حتى أنني لست متأكدا من أن الغاية تبرر الوسيلة- وأخيرا وهذا هو الشيء الرئيسي- فإنني عندما أسمع الناس يتحدثون عن إعادة صياغة الحياة فإن ذلك يجعلني أفقد سيطرتي على نفسي وأسقط في بحر من اليأس.. «إعادة صياغة الحياة» إن الذين يقولون هذا لم يفهموا شيئا عن الحياة قط...أنهم لم يشعروا مطلقا بأنفاسها ودقات قلبها، برغم كثر ما رأوه وما فعلوه، انهم ينظرون اليها على أنها كتلة من مادة خام تحتاج إلى أن يقوموا بتنسيقها، وأن يشرفوها بلمساتهم، ولكن الحياة ليست مادة تتشكل، وإذا أردت أن تعرفها.. فهي مبدأ التجديد الذاتي، إنها دائما تجدد وتغير وتبدل نفسها، وهي أبعد بشكل لا نهائي عن نظرياتي ونظرياتك الباحثة عنها، إن الثوريين الذين يمسكون بالقانون في أيديهم إرهابيون، لا لأنهم مجرمون، وإنما لأنهم كآلات لم نعد قادرين على التحكم فيها، تماما كالقطارات التي خرجت عن القضبان تدهس في طريقها الجميع دون تمييز لقد اعتدت ان اكون ثوريا جدا.. ولكنني الآن أعتقد انه لا يمكن كسب شيء بواسطة القوة الوحشية، ان الناس ينبغي جذبهم إلى الخير عن طريق الخير»، مثل هذه العبارات تشكل خطرا على السياسات القمعية وتندد بالطغيان لذا منع الكتاب ووضع الكاتب تحت المراقبة، ولولا أن ناشرا ايطاليا نزيها سمع بما حدث وزار الكاتب وقرأ المسودة واعجب بها وتحمس لنشرها لما قيض لهذا الكتاب ان يرى النور، بل ان الكرملين أخفى النجاح الادبي لهذا الكتاب والذي لاقى رواجا كبيرا في العالم عن الشعب. وعرف عن باسترناك انه لم يكن متحمسا للنظام الشيوعي، لذا كان عرضة للنقد لاهتمامه بالحقيقة والجمال والروح والإنسان بشكل خاص، كما كان مؤمنا بأن الثوريين الذين يطالبون بالتغيير انما يتحرقون شوقا للسلطة.. وفي أواخر أيامه خص أحد الصحفيين بهذا التصريح: «إن مطالب الحكومة بسيطة للغاية، إن هناك شيئا واحدا يريدونه هو أنك ينبغي أن تكره ما تحب وان تحب ما تكره».

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
28/06/2016
1289