+ A
A -
في وقت سابق كان مجرد الحديث عن لقاء مباشر بين العرب وممثلين عن دولة الاحتلال للحديث عن استمرار الوضع القائم وقبول تواجد إسرائيل والاعتراف بها ضرب من الخيال، ومن يتكلم دون يقين عن حتمية المعركة وتحرير الأرض ينظر إليه فورًا بعين الشك والريبة ويصنف بالانهزامي المتخاذل، رغم أن كل الدلائل والموازين حينها تؤكد أن العدو متفوق عسكريًا ومدعوم سياسيًا ولوجيستيًا من قوة عظمى هي الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها القارة الأوروبية، لكن اتفق العرب على استخدام ما هو متاح للوصول لما هو مطلوب، أي التعاون مع أي طرف دولي قادر على المساعدة -الاتحاد السوفياتي آنذاك- واستخدام ما هو تحت اليد لتحرير ما اغتصب وتم احتلاله بقوة السلاح ووضع اليد، لإدراك الجميع أن العالم ينظر ولا يزال حتى يومنا هذا للصراع العربي - الإسرائيلي على أنه صراع العرب مجتمعين من جانب وإسرائيل بمفردها من جانب آخر ويتم حساب الثروات والمقدرات والقوات والعتاد العربي جميعه مقابل ما تمتلكه إسرائيل بمفردها.
وتروج دولة الاحتلال لهذا وتستخدمه حتى يومنا هذا وبطرق وأساليب شتى لتصوير نفسها على أنها كيان صغير مسالم يعيش تحت التهديد المستمر في محيط من الأعداء يحيط بها من جميع الجهات، في الستينيات وما قبلها لم تنظر الشعوب العربية وحكوماتها على حد سواء على أن احتلال كامل فلسطين يخص الفلسطينيين دون غيرهم وكذا سيناء المصرية يخص المصريين وحدهم والجولان السورية شأن سوري خالص بل كانت النظرة عامة فما تم احتلاله هو أراض عربية وتحريرها مسؤولية العرب جميعًا من المحيط إلى الخليج ولم يكن الحديث يتناول جزئية هل هناك حرب تحرير قادمة أم لا، بل كان الحديث يتمركز حول توقيتها وسبل وأساليب الإعداد الأمثل لها بتضافر جهود الجميع من أجل تحقيق النصر فيها، وكان النقاش حول وجوب وطرق وأساليب مقاومتها هو محور اهتمام سكان أصغر منزل في أقصى بقعة من الأراضي العربية تطل على مياه الخليج العربي أو هناك بعيدًا على المحيط الأطلسي.
ولذلك حين اندلعت حرب أكتوبر 1973 كان لكل دولة عربية دور فيها إما بالمال أو السلاح في مرحلة الإعداد والاستعداد لها أو قوات عسكرية اشتركت في مجريات الحرب منذ بدايتها أو لتدعيم الجيوش العربية المحاربة حين بدأت الكفة تميل لصالح إسرائيل عقب تدشين الجسر الجوي الأميركي لنجدتها والحرص على عدم إلحاق الهزيمة الكاملة بها، وحين تم عقد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وحصلت فيه دولة الاحتلال على أول اعتراف رسمي عربي بها قاطعت الدول العربية مصر وتم نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس احتجاجًا على توقيعها الاتفاقية منفردة مع العدو، وقبلها لم تكن تتباهى بعض الدول العربية بقدراتها العسكرية والتصنيف العالمي لجيوشها وما تمتلكه من عتاد عسكري بقدر حرصها على مقدار دعمها للحقوق العربية وفي مقدمتها الحق الفلسطيني فقد تكون إسرائيل في حرب 67 قد استولت على أجزاء فقط من أراضي مصر وسوريا وهددت الأردن لكنها استولت على كامل أراضي فلسطين التاريخية، وفي حقبة الهزيمة تلك لم يكن يجرؤ أحد على الحديث علنًا عن إسرائيل بغير وضعها في خانة المحتل المغتصب والمعتدي على الحقوق والأراضي والشعوب العربية.
لكل ما سبق وبالنظر لما آلت إليه الأوضاع وانقلاب الموازين ولا أقصد بها موازين السياسة العصية على الاستواء حين يتعلق الأمر بالحقوق العربية والإسلامية، بل عن انقلابها بحيث أصبح الحديث والاختلاف فقط حول كم وكيفية التنازل عن الحقوق العربية إرضاءً لأميركا وربيبتها إسرائيل.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
15/02/2020
1895