+ A
A -
قلتها من قبل مرارًا وتكرارًا إن تعامل الولايات المتحدة قابل للتغيير والتبدل في أي ملف ومع أي دولة أو كيان إلا إسرائيل فأمنها وحمايتها ودعمها لا يتأثر بكون الجالس في البيت الأبيض من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي أو حتى من المريخ، جزئية الاختلاف الوحيدة تكمن في مقدار هذا الدعم صعودًا وهبوطًا، صراحةً وغموضًا والباقي بديهيات وثوابت لا تتغير بتغير الإدارات لدرجة تشعر معها وكأن إسرائيل والحفاظ عليها وضمان هيمنتها وسحق خصومها في المنطقة والتأكد من بقائهم خلفها بعدة خطوات في كافة مجالات وأسباب القوة هو نص قد عُنون وأضيف بأثر رجعي في الدستور الأميركي.
ولم لا فالرئيس الاميركي دونالد ترامب يريد من العالم الإسلامي الاعتذار عن أخطائه ضد إسرائيل في عام 1948 ولربما يستن قانونًا يطالب بالتعويضات اللازمة عن قتلى العصابات الصهيونية إبان حرب فلسطين ، وتلك هي المصيبة والكارثة التي نزلت على رؤوسنا نحن العرب والمسلمين وكأن ما نحن غارقون فيه من مشاكل وحروب وأزمات وفقر وتخلف وتشرذم وشقاق وخصومات منذ رحيل المحتل الغربي ليس كافيًا، فبات كل من يعاني من مشكلة سياسية أو اقتصادية حول العالم يصدرها لمناطقنا البائسة لتكون المغارم فيها وداخلها والمغانم منها وخارجها.
ولوضع الأمور في سياقها الفعلي والواقعي لا يجب نسيان أن الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس هاري ترومان- الديمقراطي- هي أول دولة قد اعترفت بإسرائيل بعد إعلان قيامها في 14 مايو 1948م بعشر دقائق فقط وقد كان صديقًا حميمًا لحاييم وايزمان أول رئيس لدولة الاحتلال، ويأتي اليوم الرئيس دونالد ترامب- الجمهوري- ليحاول جاهدًا أن يأتي على البقية الباقية من القضية الفلسطينية على المستوى الرسمي وأن يجهز تمامًا على ما يسمى بقرارات الشرعية الدولية التي تتمسك بها وتطالب بتنفيذها الحكومات العربية والإسلامية ولا تلقي لها بالًا حكومات الاحتلال المتعاقبة، وسجلت رقما قياسيا في عدد القرارات الصادرة من المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وغيره والتي انتهكتها وتجاهلتها وضربت بها عرض الحائط، والعجيب في الأمر واللافت للنظر تعاظم المكاسب بشتى أنواعها التي تحصدها إسرائيل في مقابل الانخفاض المستمر لكلفتها، فمنذ أربعينيات القرن الماضي ونكبة فلسطين وحتى يومنا هذا، كافة القرارات والتوصيات الدولية في ما يخص فلسطين على وجه الخصوص تحصل دولة الاحتلال على المنصوص فيها بدعم دولي ويتم ترحيل ما نصت عليه من حقوق للفلسطينيين إلى مرحلة تالية ويقتصر ما يحصلون عليه على مجرد وعود براقة وكلمات معسولة وأحيانًا بدونها فالمهم إسرائيل والبقية تأتي بعدها أو لا تأتي، ويترافق مع هذا دومًا حرص القوى الدولية التام على عدم تمكين العرب عامةً والفلسطينيين بوجه خاص من حيازة الوسائل والأسباب التي قد تمكنهم من الحصول على ما حق هو طبيعي لهم أو حتى بعض حقوقهم التي اعترفت بها وضمنتها تلك القوى نفسها في انحياز فاضح وفج بطريقة استفزازية قل نظيرها في عالم السياسة والعلاقات الدولية.
ورب ضارة نافعة، فلم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه أو تزييفه في ما يخص الافتئات المتواصل والتواطؤ والتجاهل المستمر للحقوق العربية المشروعة وبات واضحًا تمامًا أكذوبة الوسيط والضامن فالقوى الدولية بدايةً من الولايات المتحدة الأميركية مرورًا بروسيا وصولًا لأوروبا تتخذ وضعية الصمت التآمري تجاه أي مطالب بتنفيذ القرارات والاتفاقات التي تخص فلسطين، وظهر للعيان وبلا أي رتوش من يتعاون مع المحتل بل ويسعى للتحالف معه، ولم يعد بإمكان أي طرف أن يستمر بالاتجار بالقضية الفلسطينية فقد كشفت الأحداث المتتالية من يقف بجانب الفلسطينيين بحق داعمًا لمطالبهم ومن يستغل قضيتهم ويساوم عليها تحقيقًا لمصالحه، وأوضح وبصورة قاطعة للشعب الفلسطيني بكافة فصائله وطوائفه وتوجهاته ألا سبيل أمامهم إلا تناسي الخلافات في ما بينهم والاتحاد ومعرفة أنهم وحدهم خط الدفاع الأول والأخير عن فلسطين التاريخية.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
06/02/2020
1495