+ A
A -
إن قول أكثر من مسؤول إسرائيلي إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يفقد الدولة العبرية عنصراً قوياً لاجماً يعمل دائماً لمصلحة إسرائيل بشكل يفوق احياناً ما تفعله الولايات المتحدة، هو ليس العامل الوحيد الذي يحمله الخروج البريطاني من تأثيرات.
ورغم أن نتائح الهرولة البريطانية بعيداً عن الاتحاد الأوروبي لم تستكمل بعد، فإن الأمر المؤكد هو أن تصويت الانكليز وخاصة منطقة لندن كان تصويتاً ضد النخب وضد العنجهية والفساد، وهروباً من استغلال الأغنياء للطبقات المعدمة.
ونستطيع القول إن ثورة الفقراء الانجليز هي التي قتلت المملكة المتحدة، ونشرت عدوى الخروج بل عدوى الاستقلال إلى الاسكتلنديين والويلزيين والإيرلنديين الشماليين. وإذا شاءت الظروف لملكة بريطانيا التسعينية أن تشهد بداية سقوط التاج، فإن إسرائيل المكروهة من جميع دول العالم، والكارهة حتى لنفسها ومستقبلها غير المأمون أو المضمون، تنظر بكل الريبة والشك إلى الصدمة التي انتجتها بريطانيا.
وإذ يتحدث «جدعون ليفي» عن الشعب البريطاني الذي خرج يصوت ضد حملة التخويف من قيادته، فانه يعترف بأنه يحلم أن يحدث شيء ما مماثل في إسرائيل. وهو يأمل أن تؤدي «هزة البركسيت» التي حدثت في بريطانيا، ودفعتها لمغادرة الاتحاد الأوروبي، إلى خروج إسرائيل من «المناطق» يقصد الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.
ويعترف ليفي بأنه ينظر بأمل وغيرة إلى بريطانيا التي عرفت كيف تطرد الخوف والبشاعة الاستبدادية، لكن المخاطر التي تشكلها عواقب الرحيل البريطاني على إسرائيل كبيرة وعميقة، فما حدث هناك ليس فقط تمردا على النخبة الانكليزية المتعجرفة، بل هو تكريس أيضاً للتيارات القومية الانعزالية المتطرفة الساعية للابتعاد العنصري عن أوروبا الغارقة في مستنقع اللاجئين السوريين.
وبالمثل، فإن الـ»17» مليون بريطاني الذين صوتوا ضد البقاء في الاتحاد، يعبرون عن رغبة شديدة في عدم التورط العسكري البريطاني في أي معركة عسكرية في الخارج، تماماً كما يفعل أوباما اليوم، وكما ستفعل عدة دول أوروبية في المستقبل، ولسان حالها جميعاً يقول: اذهبوا إلى الجحيم، وقاتلوا أعداءكم وحدكم!
لكن ما لا تدركه إسرائيل تماماً ومضاعفات الخطوة البريطانية مازالت غير مستكملة، هو أن هناك تيارات يمينية قوية جداً في المجتمع الإسرائيلي، ستستغل ما حدث في أوروبا، لتعميق عزلته العنصرية وكراهيته للفلسطينيين والأجانب والاقليات.
ولكنْ منذ هذه اللحظة حدث «التحول الكبير»، فإسرائيل الآن حزام ناسف عملاق قادر ليس فقط على تلغيم العرب وحدهم.. بل ومواطنيها أنفسهم. فالدولة غارقة في السلاح الذي لا تحتاج الجزء الأكبر منه، لكن الخوف هو الذي يسيرها ويتحكم في مزاج اليهود المقيمين في الضفة الغربية.
وسيكون من غير مصلحة إسرائيل على المدى البعيد ان تستثمر التغيير في بريطانيا لاتخاذه قدوة من أجل تعزيز قدرات الجيش الإسرائيلي وتكريس مبدأ العيش كجزيرة معزولة. ولأننا ضد المصلحة الإسرائيلية، فنحن مع انتقالها السريع إلى العيش في «ألكتراز» آخر، كناية عن السجن الأميركي الاسطوري المبني وسط البحر والذي كان يستحيل الخروج منه!
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
28/06/2016
1091