+ A
A -
التقى صفوة من المفكرين الخليجيين والعرب في (ملتقى الثقافة المدنية) نظمه مركز المرأة للتنمية والسلام بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حول الثقافة المدنية ومستقبلها وتحدياتها ودور الإعلام في تعزيزها.
الثقافة المدنية، هي مجموعة القيم المحفزة للسلام الاجتماعي والتسامح وقبول الآخر واحترام القانون والنظام وتحقيق العدالة والرقي في التعامل الإنساني وتعزيز المواطنة المتساوية دون النظر إلى الأصل والقبيلة والدين والمذهب، وهذه القيم أصيلة وعريقة في الكتاب الكريم، تجسدها الآيات (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)، (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)، (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
إن مما يحمد لمثل هذه الملتقيات الثقافية، إتاحة الفرصة للمثقفين الخليجيين للالتقاء في ظل أجواء التأزم، لتعميق التواصل والبحث عن مخرج للقضايا المشتركة، في ظل العلاقات المتوترة التي أفرزت ظواهر سلبية جديدة على المجتمع الخليجي، ساهم الإعلام الجديد (التواصل الاجتماعي) في تعميقها في النفسية الجمعية الخليجية، عبرالخطاب الانفعالي للجانب الغرائزي للمواطن الخليجي، تمثلت في ترسيخ (ثقافة الكراهية) وانتشار (روح الفزعة القبلية) وشعبوية (خطاب القطيعة).
إن مما يدعو للألم والحزن، أن منابر التواصل أصبحت أدوات للتقاطع والفرقة، فما إن تبدي رأياً عقلانياً متزناً، أو مسلكاً إنسانياً متسامحاً، يهدف للتقارب ورأب الصدع، حتى تنهال عليك تعليقات تجرحك في أصلك وفصلك وطائفتك، وتتهمك في وطنيتك، ولا أدل على تفاهة هذه التعليقات وضحالتها، لغة وفكرا، من أن القيم المدنية لم تفلح في تهذيب هذه النفوس المتوترة.
في أجواء التوتر والأزمات، لا يمكن زرع ثقافة مدنية، ولا قيم إنسانية، كون الأطراف المختلفة في حالة تربص متبادل، تحكمها مشاعر الخوف والشك والتوجس والريبة، ومن ثم يتحول الخطاب الإعلامي، إلى خطاب سجالي غاضب، وتصبح الهوية الوطنية منغلقة على نفسها، لكن على المثقفين الخليجيين، عدم الاستسلام واليأس، عليهم أن يدركوا أن هذه العقليات ستتغير، وتلك النفوس ستهدأ، بمرور الزمن، وهذا التأزم، مهما طال، سيصبح تاريخاً ماضياً، بحكم حركة التاريخ، لكن الأمر بحاجة إلى مضاعفة الجهود من المثقفين الخليجيين، وإلى مزيد من اللقاءات الثقافية، بموازاة الجهود السياسية.
الإعلام العربي والثقافة المدنية:
إعلامنا، للأسف، يخاطب غرائزنا لا عقولنا، إعلام تعبوي، تحريضي ضد الآخر، تعصبي للذات، تمجيدي للماضي، دعائي للأنظمة، اتهامي للمخالف، هو إعلام يزيف وعي الجماهير، ويصرفهم عن قضاياهم الأساسية إلى قضايا خلافية تستنزف طاقاتهم، وتثير الفرقة بينهم، فلا يرتجى من هذا الإعلام أن يكون معيناً على ترسيخ الثقافة المدنية، وبخاصة في أجواء التأزم الاجتماعي والديني والطائفي والصراعات السياسية والاضطرابات الأمنية التي يمر بها معظم المجتمعات العربية، اليوم.
الإعلام الديني والثقافة المدنية:
دعوني، أفرق بين الدين المنزل، نصوصاً ومبادئ وأحكاما ومعتقدا وعبادات، والخطاب السائد عبر الفضائيات الدينية والمنابرالمختلفة، الراصد لهذا الخطاب يجده عاملا معوقاً أمام تجذر الثقافة المدنية، بل هو عامل ترسيخ للانقسام الطائفي والمذهبي، وتوزيع صكوك التكفير على المخالفين، ولعل أبرز القضايا المتعلقة بالثقافة المدنية، والتي بحاجة إلى مراجعة وتصحيح من قبل الخطاب الديني، هي:
1- تصحيح النظرة الفقهية للمرأة، إذ لا زالت المرأة في الخطاب الديني المتداول، كائناً ناقص الأهلية، لا يحسن التصرف إلا بإرشاد وتوجيه الولي المرشد.
2- تصحيح النظر إلى الآخر المذهبي والديني،إذ لا زال الخطاب السائد، تعصبياً للأكثرية الدينية والمذهبية، يدعي تملك الصواب والحقيقة، يستسهل تكفير الآخر أو تفسيقه أو تضليله، ومن ثم يرى أن من حقه فرض وصايته على المجتمع.
3- تصحيح رؤيتنا للعالم، إذ لا زال خطابنا الديني، مسكوناً بمخاوف ووساوس وأوهام (المؤامرة العالمية على الإسلام) وأننا (الأمة المستهدفة) أبداً، ومن هنا يتم الدعاء عليه عبر المنابر الدينية المختلفة.
بقلم: د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
27/01/2020
2893