+ A
A -
في كل ثقافات العالم صار هناك ما يتهدد نظام الزواج، إن لجهة ارتفاع معدلات الشباب العازفين عن الزواج من الجنسين، أو لجهة ارتفاع معدلات الطلاق، في مقابل انحسار متزايد للزواج الناجح الذي يتمخض عن حياة زوجية مستقرة، يجمع طرفيها التفاهم والمودة والمحبة، و تثمر انجابا صالحا .
تزايد العزوبية من جهة، و تهشم الحياة الزوجية من خلال الطلاق من جهة ثانية، و النزاعات الزوجية التي يترتب عليها زواج معلق، أو زواج مع وقف التنفيذ بسبب انفصال يضع الحياة الزوجية في ثلاجة من جهة ثالثة، و ابناء الزواجات التي تهشمت بطلاق من جهة رابعة، هي، و غيرها، عوامل ترفع منسوب الاكتئاب والمشاكل النفسية و الاجتماعية في المجتمع .
حينما يشن كل من الابوين حربا كونية على الآخر، فلا تتوقع ان ينشأ أطفالهما اسوياء معافين، كذلك لا تتوقع ان يسلم المجتمع من تداعيات هذه التفجيرات الزوجية المتتالية، و التي يصل دويها احيانا إلى ابعد بكثير عن مركزها، فالمشاكل الزوجية تلوث البيئة الاجتماعية تلويث الادخنة المنبعثة من موتور سيارة كهلة اصبح مفوتا و معطوبا .
الاقبال اللافت على المقاهي هو أحد وجوه هذه المشاكل، باعتباره محاولة لاستبدال الطقس الاسري بما فيه من تفاعل اجتماعي صحي، بطقس اجتماعي آخر تملئه غلالات الدخان التي ينفثها اصحابها بتنهيدات موجوعة أو متأسية، فمشاكل بعض الاسر يسيل منها دماء، واخرى ينبعث منها دخان في مقاهي تفتح ابوابها على مدار الساعة يوميا .
بطبيعة الحال ليس كل رواد المقاهي من المفكرين والجهابذة حتى يمكن تفسير العزلة و الاكتئاب و الشرود الذي يبدون عليه بأنه جهبذة عباقرة يشغلهم الهم الإنساني في العالم، وتأخذهم سياسات الحمقى والاغبياء في دنيا تتعقد فيها الصراعات والقضايا الشائكة، و لكن اغلب هؤلاء المكتئبين، المنفردين بأنفسهم على المقاهي، لا يقضون وقتهم مع جريدة يتصفحونها، و لكن مع فيلم في المخيلة، ربما يكون سيناريو تقشعر له العقول، فيه من «الفلاش باك» لمشاهد مأزومة ما يكفي لاحاطة صاحبها بجدران عالية تحدث عزلة شديدة الوطأة، حتى انه يمكنك ان تلاحظ علاقة طردية بين ارتفاع «كركرة» الشيشة، والمواقف و السيناريوهات المحتدمة بالزعيق و الشجار و التشاحن الزوجي .
صديق كنت اتجاذب معه اطراف الحديث حول ظاهرة إمتلاء المقاهي بالمأزومين الذين يعانون اضطرابا اما نفسيا أو اجتماعيا، حكى لي ان صاحب احد المقاهي كان يسمي مقهاه: «مقهى السعادة»، و لكنه تبين ان احد اسباب الايراد أو الدخل الضعيف للمقهى هو اسمها، اذ لا يرتادها كثيرون مثل مقاهي اخرى، على الرغم من جودة الخدمة فيها، لذا نصحه احدهم بالقول: «عيب هذه المقهى اسمها «السعادة».. فعليك ان تغير الاسم.. سمها «مقهى ظلموه»، و اضاف هذا الناصح: لماذا هذه الاغاني التي تعكس فرحا و سعادة، و التي تشبه كلماتها طرقا بمطرقة من العيار الثقيل على عقول ووجدان الزبائن التعساء، بل عليك ان تكثر من اغاني فريد الاطرش و عبد الحليم حافظ و محمد عبد الوهاب الحزينة المترعة بالهجر والفراق و المآسي الوجدانية، و اذا فعلت ذلك ستجد اعدادا هائلة من الزبائن، وقد تضطر إلى مضاعفة عدد «الكراسي»، ولم تخب نصيحة هذا الناصح .

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
28/06/2016
1033