+ A
A -
منذ القدم وحتى يومنا هذا، على أرض الواقع وحتى في الأساطير دومًا ما كانت الطريقة الشائعة في أغلب الأحوال لهدم أي بنيان واختراق أي كيان وإحباط أي حراك وتدجين ثم ذبح أي ثورة، تأتي عبر بعض من هم في داخل هذا الكيان أو من المحسوبين على هذا الحراك هنا وتلك الثورة هناك، ويتساوى في هذا من تم دسه عن عمد منذ البداية أو تمت استمالته فيما بعد بأي طريقة كانت،
ورغم النجاح المرحلي لتلك المؤامرات في البداية وتؤدي لما يراه البعض انتكاسة وقد يراه البعض إضافة لفاتورة القهر والغضب الذي أخرجهم للمطالبة بتغيير الوضع القائم وحقوقهم منذ البداية.
من منا لم يسمع عن القصة الشهيرة حول «حصان طروادة» أثناء الحرب بين إسبرطة وطروادة وعجز الإغريق عن اقتحام المدينة المنيعة فقاموا بصناعة حصان خشبي ضخم ثم شحنوه بالمحاربين الإغريق من الداخل وتركوه أمام أبواب طروادة كهدية للآلهة بعد حصار استمر عشر سنوات وتظاهروا بالرحيل، وفرح أهل طروادة عندما شاهدوا انسحاب الإغريق وتواريهم وسفنهم عن الأنظار وقاموا بفتح أبواب المدينة فرحين بالنصر مجتمعين ثم انقسموا بعدها واختلفوا حول ما اعتبروه غنيمة ومكسبا، فمنهم من قال ندخله المدينة، ومنهم من قال نبقيه خارج أسوارها، ومنهم من قال نحرقه، وبعد جدل طويل استقروا على نقله لداخل المدينة وبعد خلودهم للنوم خرج المحاربون من جوف الحصان الخشبي وفتحوا الباب للجيش المتربص بهم والمتحفز للانقضاض على المدينة وأهلها وقد كان ودخل الإغريق المدينة الحصينة وأحرقوها وأعملوا السيف في أهلها، الذين ذبحهم اختلاف الرأي وقصر النظر قبل سيوف الإغريق وحرابهم، لتصبح القصة عبرة لمن ينشغل بالخلافات الداخلية عن الخصم والعدو المتربص والمنتظر لتلك الخلافات ليفتك بالجميع بلا هوادة.
وتأثرًا بتلك القصة الأسطورية وفي عصر الحواسيب والتكنولوجيا هناك فيروس «Trojan Horse» المتعدد الأشكال والأساليب والأهداف، وهو نوع من البرامج الضارة يتخفى غالبًا في صورة برنامج شرعي، يمكن أن يستخدمه المجرمين الإلكترونيين والمتطفلين في محاولة التسلل للحواسيب دون أن ينتبه أصحابها وينخدع المستخدمون عادةً ببعض أشكال الهندسة الاجتماعية لتحميلها وتطبيقها على أنظمتهم، وبمجرد تنشيطها تتيح للمتطفلين بالتجسس على الأجهزة وسرقة بيانات أصحابها الحساسة والتسلل إلى أنظمتها والتحكم فيها بمختلف الطرق من حذف وحظر ونسخ -سرقة- وتعديل وحتى التعطيل لنظام التشغيل أو بمعنى أدق وقوع صاحب الحاسوب تحت تصرف وسيطرة اللص دون أن يدري وربما تسرق ممتلكاته وأفكاره وحتى أحلامه وهو يظنها في مأمن وبعيدة عن أيدي من يستهدفونه، ولا سبيل للخلاص من هذا الاستهداف والتهديد إلا مكافحة الفيروس وتنقية الذاكرة منه ومن أقرانه حتى تعود لعافيتها وتقوي جدران حمايتها وتؤدي المطلوب بكفاءة ونجاعة. تعمدت ذكر حادثة أسطورية من الماضي السحيق وأخرى واقعية من الحاضر القريب المستمر دون ذكر أسماء أو أشخاص أو كيانات -دول وأحزاب وجماعات- بعينها من أولئك الأسماء وتلك الكيانات، وفضلت أن أترك للقارئ الحرية في أن يسقطها على أي وضع ومكان وكيان يشاء، فالقوس لا يزال مفتوحًا ومفاجآت المنضمين الجدد داخله لا تنتهي والقائمة طويلة أصعب من أن يتم حصر الأسماء الواردة فيها من أولئك الذين تموضوعوا بخبث في صدارة الصفوف وهم في الواقع خنجر في الظهر، وذرفوا الدموع المزيفة ورفعوا شعارات براقة رنانة تخفي خلفها مؤامرات ودسائس لا تنتهي وظنوا أن تأثيرها سيستمر طويلًا على غير الحقيقة فكما يقولون حبل الكذب قصير ولا بد أن ينكشف وينقلب السحر على صاحبه، اختلف كثيرًا مع القائلين بأنه لا تقوم ثورتان خلال جيل واحد فما يحدث ما هو إلا تمحيص وكشف لكل «Trojan Horse» في صفوف الباحثين عن حرية أوطانهم قبل أشخاصهم، نعم كان الحلم ورديًا والرد قاسيًا والمؤامرات متشعبة ومتعددة وبعض النفوس قبل الصفوف ليست صافية، لكن الهدف لا يزال باقيًا يرونه بعيدًا ونراه قريبًا، ومن الشدائد والمحن تستخلص الدروس والعبر للتحضير والاستعداد والانتباه للقادم، ومن التضحيات والمواقف تنكشف الوجوه ومعادن أصحابها فيعرف الأصيل من المزيف، فليس كل ما يلمع هو من الذهب والفضل لمن ثبت على مبدئه وصدق وليس لمن سبق.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
25/01/2020
1723