+ A
A -
يطالب مجتمعنا المرأة أن تنحو مع زوجها منحى الصفة مع الموصوف.
تُرفع بضمته، تُكسر بقبضته، ثم ليتها تسكن متى سكن هو السكون الأبدي بوفاته!
وكم أتعجب من مقدار الجشع الذكوري في تعاطيهم مع الإناث، وكم الاستغلال الذي تُستغَله النساء في البيئة الشرقية رغم التشدق بالقيم والمقدس، ومع هذا يمنع الذكور الإناث من الميراث اللهم الا المصاغ، لا الأرض!
والمؤسف أن هذا الاستغلال يأتي من، إخوة، أعمام، وكُثر من لئام يستترون بدثر الأرحام.
يريدونها هكذا، هضيمة الجناح وضعيفة علميّاً، ماديّاً، وبحيز من القوة يسمح بخدمتهم ليس إلا، ثم يمنحونها - إن رضوا - صك الغفران!
والشعراء المسرفون في مدح النساء، اعترفوا أنهم يستخدمون المرأة لشحن ملكاتهم الشعرية، ليس إلا.
يستفيدون من علاقاتهم بحبيباتهم لاستقطار معاني الوله من شهد مناحل معاناتهم وعذاباتهم في الحب!
فبحسب نزار:
ولست أحبك كي تتكاثر ذرّيتي
ولكن أحبك كي تتكاثر ذرّية الكلمات
حتى «محمود درويش» قد عدد في رائعته
«على هذه الأرض ما يستحق لحياة»
أشياء تستحق أن نعيش من أجلها، منها: «أول الحب» لا كله.
فكم من شعراء زرعوا حبّاً غلولاً، ليحصدوا شعرًا «بالفايظ» يتوجهم ملوكاً للضاد.
لقد اغتنموا النساء في مخيلاتهم كسبي الروم، فقط؛ لإشعال قرائحهم الشعرية بنظم أخلد القصائد!
هم لا يستهدفون حبّاً أبديا، لكن قصائد خالدة.
هم لا يأبهون لعلاقتهم العاطفية، بل لمجدهم الشعري.
وندر منهم من استخدم الشعر ليُعرب به، ويعبُر به لقلب الحبيبة.
يعترفون أنهم انتقوا من الحب أوله اللذيذ، فيما هجروا لبَّه، مسؤولياته؛ لرفضهم تحمل مشقة رعايته والعناية به!
فنزار، كغيره، استثمروا المرأة لإثراء ملكاتهم الشعرية.
وكذلك أحمد رامي الذي هام بأم كلثوم، اعترف أنه لو كان قد اقترن بها ما كان كتب فيها حرفاً.
لذا فقد تكسب الاثنان من العلاقة، هو يستلهم منها ويغني عليها..
وهي تغني له وتستفيد من أشعاره!
لا أكثر ولا أقل، وتمسك واعٍ من الطرفين بمرحلة الشغف أو أول الحب.
تمامًا كما يفضل صغارنا ما يعرف بـ القشطة التي نزين بها الكعكة، فيلتهمها الصغار لكون طعم «الأيسينج» لذيذ، ولو أنه ضار بالصحة، كما أنهم يتركون لب الكعكة الذي يحوي القمح والبيض والحليب المفيد.
بالمثل يتمسك الشعراء بأول الحب كونه عصارة الشهوة، وخلاصة المتع.
لكنهم يتهربون من علاقة جادة تحمل تبعات الزواج ومسؤوليات تكوين الأسرة، رغم أنها الأفيد للمجتمع.
يتطلعون لحب تتكاثر فيه ذرية كلماتهم، لا ذرية نسلهم الذي يخضعهم لأعباء لا طائل لهم منها.
فالشعراء يغتنمون من علاقاتهم من النساء باسم الحب، حتى لو على حساب سمعة المرأة.
لذلك حرّم العرب في الجاهلية على الشاعر الزواج من ابنتهم لو كتب فيها بيتاً واحداً.
فقيس مُنع من ابنة عمه لأنه كتب فيها قبيل الزواج،
ولتجدن الشعراء يعلنون أنهم لم يبادروا يوماً في أي علاقة، ويروجون لكونهم قد تم اختراقهم!
عدا ان منهم من يعشق لعب دور الفارس المستجيب لنداء امرأة في محنة المحبة؛ ما يجعله يترجل من على صهوة جواده ليطفئ نار أشواقها.
فارس بمعنى الكلمة!
ومنهم من يستميت ليؤكد على دوره كمستجيب لا مبادر، مطلوب لا طالب، ومن منطلق فروسيته وهشاشة قلبه، اضطر للاستجابة لقلب عشيقته، كي لا يكسر قليها.
إننا ندق ناقوس التحذير للنساء اللائي ينسقن لوهم الحب، رغم أن دورهن لا يتعدى كونهن ملهمات ليس إلا، محض استغلال لشحن النزعة الشعرية مشوب بالمتعة!
فكم هو مؤسف أن تعاني النساء من مرتزقة الشعر أو ممن يستغلونهن باسم المقدسات، سواء الرحم، الدين، الأسرة.
وصدق رب العزة إذ قال: «والشعراء يتبعهم الغاوون»

داليا الحديدي

كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
18/01/2020
1767