+ A
A -
مقتل قاسم سليماني ورفقته في الثالث من يناير ثم القصف الصاروخي الإيراني لقاعدتي عين الأسد الجوية وأربيل دون وقوع خسائر في الأرواح -يبدو أن إيران تعمدت ذلك عبر تمرير نواياها بالهجوم ومكانه إلى العراق والمرجح أن يوصل تلك المعلومات للجهات الأميركية- وتبني إيران له رسميًا وعلانيةً وهو أمر له أهميته ورمزيته الكبيرة ثم إعلان إيران انتهاء انتقامها لمقتل سليماني والخطاب الذي ألقاه الرئيس ترامب الأربعاء الماضي .
وأشار فيه إلى عدم وقوع ضحايا في هجوم إيران على القواعد الأميركية واكتفائها بهذا ونيته فرض عقوبات اقتصادية إضافية عليها حتى تغير سلوكها واستعداد بلاده للدخول في مفاوضات جادة بدون شروط مسبقة مع إيران بما فيها الملف النووي، ثم اعتراف الأخيرة باسقاطها لطائرة ركاب أوكرانية بالتزامن مع عملية قصف القواعد الأميركية في العراق ومقتل ركابها الـ176 وتقديم الرئيس الإيراني اعتذارًا رسميًا عن الحادث الذي وقع بطريق الخطأ -حسب الرواية الرسمية الإيرانية- مع التلميح بمسؤولية أميركا أيضًا كون إسقاط الطائرة جاء بسبب حالة الاستنفار والمواجهة معها وأن الدفاعات الجوية الإيرانية أسقطتها لاعتقادها أن الطائرة صاروخ أميركي يستهدف موقعا عسكريا حساسا، ثم دخول أوكرانيا وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا على الخط والإشارة إلى احتمالية أن تكون طريقة تعاطي إيران مع الحادث وتعاونها في الكشف عن ملابساته وتعويض الضحايا ومحاسبة المسؤولين عنه من ضمن سبل التهدئة والدخول في مفاوضات حول الملف النووي والعقوبات الاقتصادية،.
كل ما سبق يرجح الذهاب إلى التهدئة وإعادة الحسابات والتموضع من جديد، وبهذا تكون الغلبة لقواعد البراغماتية والمصالح المترتبة عليها لكافة الأطراف، النظام الإيراني بشكله وأيديولوجيته وارتباطاته الإقليمية الحالية يخدم أميركا والغرب في ترسيخ لا مركزية القضية بحيث تصبح كل مجموعة من الدول والجماعات والتكتلات لها قضاياها واهتماماتها الخاصة بها، وأهدافها المتضاربة مع غيرها، وتقسيم الخصومة والعداء في المنطقة العربية بين التمدد الإيراني والاحتلال الإسرائيلي وترسيخ وتصعيد الخلافات على أساس مذهبي.
وتتدخل أميركا ومن ورائها الغرب عند الضرورة لإبقاء قدرات إيران العسكرية دون مستوى التهديد الجدي لها ومنع امتلاكها للسلاح النووي بأي شكل مع بقائها مصدر تهديد لدول المنطقة وبالأخص النفطية في الخليج مما يبقي الحاجة مستمرة للتواجد العسكري الأميركي، وحلفائه وتوالي صفقات التسليح والتدريب في منطقة غالبية البؤر المشتعلة فيها مرتبطة بإيران بشكل أو بآخر وهو ما تحرص إيران على التأكيد عليه باستمرار لتوضيح مدى نفوذها وتعدد أذرعها في المنطقة والتي قد يقوم بعضها بعمليات عسكرية تستهدف مصالح أميركا وحلفاءها دون أن تظهر إيران علنًا في الصورة وهو ما سيتطلب التفاهم معها لإيقاف تلك الهجمات وتحجيم تلك الأذرع.
تبعًا لتلك المعطيات والأحداث فقد ربح ترامب من هذا رفعه لشعبيته وأسهمه داخليًا في الانتخابات المقبلة في ظل انهماك الديمقراطيين في قضايا جانبية على شاكلة محاولات عزله وتحجيم صلاحياته العسكرية، وخارجيًا إنهاء نقطة خلاف مع إسرائيل تسببت بها إدارة أوباما مما يعني المزيد من الدعم له من اللوبي الصهيوني داخل أميركا وخدمة لصديقه نتانياهو، وسيستفيد النظام الإيراني أيضًا رغم خسارته الكبيرة بمقتل سليماني بالتضييق على الحراك الداخلي في إيران وتوحيد الشعب خلف دعوات الثأر من أميركا وحلفائها من حيث وجهة نظر النظام وتحييد الإصلاحيين أكثر وضرب الحراك الثوري في العراق -الذي سيبقى الساحة الرئيسية لتصفية الخلافات بين واشنطن وطهران- بالدفع باتجاه الخلافات المذهبية من جديد، والتركيز على تراجع الدور الإيراني في سوريا دون إغفال نقاط مهمة مثل امتعاض الأوروبيين الواضح من التحرك الأميركي دون التشاور معهم من حيث توقيت ومكان مقتل سليماني والانسحاب من الاتفاق النووي وذكر ترامب لعدم أهمية استيراد النفط من الشرق الأوسط لأميركا وهو أمر له دلالته ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار فهو ليس بالتصريح البسيط أو العابر وله ما بعده من حيث الإجراءات والمتطلبات الأميركية وربما رفع كلفة ضمانها لتأمين الإمدادات النفطية من مناطق الإنتاج في الخليج لمناطق الاستهلاك حول العالم، غاب سليماني عن المشهد لكن تبعات مقتله وردود الفعل عليها ستظهر تباعًا خلال الفترة القادمة بكل تأكيد.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
17/01/2020
1559