+ A
A -
مثل الرد الأميركي المتهاون على إسقاط إيران لطائرة تجسس أميركية بدون طيار من طراز «جلوبال هوك تريتون» وتبلغ قيمتها 121 مليون دولار في يونيو الماضي وتمثل ربع الأسطول الأميركي من نفس الطراز وأيضًا ما صنفته بعض التقارير بردة الفعل الأميركية غير الكافية تجاه تهديد إيران لإمدادات النفط وخطوط الملاحة في منطقة الخليج ومضيق هرمز إبان أزمة الناقلات في النصف الثاني من العام المنصرم.
وهو ما مثل عوامل ضغط على إدارة ترامب رغم اتخاذه لإجراءات قاسية ضدها مثل انسحابه من الاتفاق النووي في أبريل 2018 وتصنيف الحرس الثوري الإيراني المنضوي قاسم سليماني وميليشياته تحت لوائه منظمة إرهابية في أبريل 2019.
ثم جاء الهجوم الصاروخي على قاعدة كي1 في كركوك ونتج عنه مقتل متعاقد مدني أميركي وإصابة 6 جنود أميركيين وعراقيين في 27 ديسمبر الماضي في خضم الاحتفالات بأعياد الميلاد وهو الهجوم الـ11 على قواتها في العراق في غضون شهرين حسب البيانات الرسمية الأميركية ليمثل عامل ضغط إضافي على الإدارة الأميركية ليعقب هذا قصف أميركي مركز استهدف كتائب حزب الله العراقي التابع للحشد الشعبي في خمس قواعد مختلفة ثلاث منها داخل العراق واثنتان في سوريا ونتج عنه مقتل 25 من أعضاء الحزب وجرح 50 آخرين حسب البيانات العراقية، لتتعالى بعدها الأصوات المطالبة بخروج القوات الأميركية وإلغاء الاتفاقيات الامنية معها ولتدخل على خط المواجهة مع المظاهرات المطالبة بالإصلاح والمنددة بالتدخل الإيراني في الشأن العراقي، وبلغت الأمور ذروتها في 31 ديسمبر الماضي باقتحام الآلاف من المحتجين لمحيط السفارة الأميركية في بغداد، وكان من بينهم قيادات وشخصيات رسمية مثل صالح الفياض رئيس هيئة الحشد ومستشار الأمن الوطني وهادي العامري رئيس كتلة البناء في البرلمان وقيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي وقائد العمليات وآخرين ولهم جميعًا ارتباط مباشر بإيران والمرشد الأعلى.
ومثل هذا «كابوسا» للإدارة الأميركية وأعاد إلى الأذهان حادثة رهائن السفارة الأميركية في طهران نوفمبر 1979 في خضم الثورة الإيرانية واحتجاز عشرات الأميركيين لقرابة 14 شهرا وما ظهرت عليه الإدارة الأميركية وقتها من الضعف بلغ ما يشبه التوسل حين قام الرئيس «جيمي كارتر» بمطالبة إيران بالإفراج عنهم لأسباب إنسانية وكشف الإيرانيين علنًا لوثائق سرية عن دور المخابرات الأميركية والبريطانية داخل إيران ثم محاولة تحريرهم بالقوة والتي فشلت فشلًا ذريعًا في أبريل 1980 وتسببت في تدمير طائرتين ومقتل 8 جنود أميركيين وإيراني واحد وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية لخسارة جيمي كارتر لانتخابات الرئاسة في 1980 لصالح رونالد ريغان والذي ارتبط اسمه بإيران أيضًا في ما يعرف بفضيحة «إيران غيت» منتصف الثمانينات.
وهنا أيقن ترامب بضرورة اتخاذ إجراء حاسم حتى لا تتكرر الحادثة وتلاقت أهدافه مع الكثيرين داخل الإدارة الأميركية وخارجها من أطراف إقليمية أبرزها إسرائيل ودول أخرى يعتبر إبعاد شخصية في قوة وتأثير ونفوذ سليماني من المشهد السياسي والعسكري مكسبا استراتيجيا ضخما لها.
مقتل قاسم سليماني ورفقته في الثالث من يناير ثم القصف الصاروخي الإيراني فجر الأربعاء لقاعدتي عين الأسد الجوية وأربيل دون وقوع خسائر في الأرواح - يبدو أن إيران تعمدت ذلك عبر تمرير نواياها بالهجوم ومكانه إلى العراق والمرجح أن يوصل تلك المعلومات للجهات الأميركية - وتبني إيران له رسميًا وعلانيةً وهو أمر له أهميته ورمزيته الكبيرة ثم إعلان إيران انتهاء انتقامها لمقتل سليماني والخطاب الذي ألقاه الرئيس ترامب الأربعاء الماضي وأشار فيه إلى عدم وقوع ضحايا في هجوم إيران على القواعد الأميركية واكتفائها بهذا ونيته فرض عقوبات اقتصادية إضافية عليها حتى تغير سلوكها واستعداد بلاده للدخول في مفاوضات جادة بدون شروط مسبقة مع إيران بما فيها الملف النووي.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
15/01/2020
1362