+ A
A -
الأيام الأولى لعام 2020 أتت معها بحادثة من العيار الثقيل وهي مقتل الجنرال «قاسم سليماني» قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وأبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي وآخرين في الثالث من يناير إثر غارة جوية أميركية في العاصمة العراقية بغداد قرب مطارها الدولي، وهو ما وضع الولايات المتحدة وإيران في خط المواجهة المباشرة والتصعيد وما صحبه من توتر شديد في المنطقة وتدخل لأطراف إقليمية ودولية في محاولات للتهدئة وعودة الوضع إلى ما كان عليه من حيث المواجهات والمناوشات الغير مباشرة على الأقل، وهو الأمر المرجح حسب المعطيات الحالية، فكل حسابات المصالح والربح والخسارة تذهب باتجاه التفضيل الأميركي لبوابة الاقتصاد وتضييق الخناق وفرض العقوبات والالتفات للانتخابات المقبلة نوفمبر 2020، وإيران لاستراتيجية الأبواب الخلفية والأذرع الخارجية في المنطقة العربية وغيرها والاهتمام بالوضع الداخلي من تظاهرات وانتخابات تشريعية على الأبواب فبراير 2020.
في البداية لمعرفة حجم وتأثير «قاسم سليماني» فهو ضمن هيكلية النظام الإيراني وموقعه في الحرس الثوري يساوي في النظام الأميركي رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ومدير قيادة العمليات الخاصة مجتمعين مما يعني أنه حرفيًا ثاني أقوى شخصية في إيران بعد المرشد الأعلى ويصفه الكثيرون بظله السياسي والعسكري، وهنا يجب التنويه إلى أن الحرس الثوري الإيراني هو بمثابة مؤسسة عسكرية مستقلة عالية التجهيز والتدريب ومنفصلة إلى حد كبير عن الجيش النظامي في ما يشبه تقسيم المهام، فالمهمة الرئيسية للحرس الثوري الإيراني هي حماية النظام بشقيه الديني والسياسي -ثيوقراطي بغلاف ثوري- بينما مهمة الجيش التقليدية حماية الشعب وحدود البلاد. وجدير بالذكر أن هناك تقارير صحفية واستخباراتية عربية وإسرائيلية أكدت أن أجهزة الاستخبارات الأميركية نفسها في عهد الرئيس السابق «باراك أوباما» قد أحبطت مخططات للموساد الإسرائيلي بين عامي 2014 و2015 لاغتيال «فارس الظلام» وهو الاسم الذي أطلقته عليه مجلة «فورين بوليسي» عبر إبلاغ طهران بوسيلة غير معروفة عن إحدى تلك المحاولات قرب دمشق، ويرجع هذا إلى رؤية بعض الأجنحة المتنفذة داخل الإدارة الأميركية للدور الكبير الذي يقوم به سليماني وميليشياته في محاربة تنظيم داعش بالتنسيق مع الجهات الأميركية وإن كان بطريقة غير مباشرة في الأغلب عبر أطراف عراقية وأيضًا عدم المجازفة بانهيار وضياع جهود عدة سنوات من التفاوض للتوصل للاتفاق النووي الذي وقع فعلًا في 2015، وتسببت محاولة الاغتيال غير الناجحة تلك في دق إسفين بين المخابرات الأميركية والإسرائيلية، وذكرت تلك الأحداث فقط لتوضيح أن المصالح لا تعترف بالخصومة أو الخلافات مهما كانت شدتها وأسبابها وأساليبها فحيثما وجدت المصالح والمكاسب وجد التوافق والاتفاق له سبلًا حتى لو كانت بطرق غير مباشرة، فسليماني الذي حمته أميركا بالأمس قامت باستهدافه اليوم وفي كلتا الحالتين كانت المصالح هي المحرك والدافع ولا شيء غيرها.
مثل الرد الأميركي المتهاون على إسقاط إيران لطائرة تجسس أميركية بدون طيار من طراز «جلوبال هوك تريتون» وتبلغ قيمتها 121 مليون دولار في يونيو الماضي، وتمثل ربع الأسطول الأميركي من نفس الطراز وأيضًا ما صنفته بعض التقارير بردة الفعل الأميركية الغير كافية تجاه تهديد إيران لإمدادات النفط وخطوط الملاحة في منطقة الخليج ومضيق هرمز إبان أزمة الناقلات في النصف الثاني من العام المنصرم وهو ما مثل عوامل ضغط على إدارة ترامب رغم اتخاذه لإجراءات قاسية ضدها مثل انسحابه من الاتفاق النووي في أبريل 2018 وتصنيف الحرس الثوري الإيراني المنضوي قاسم سليماني وميليشياته تحت لوائه منظمة إرهابية في أبريل 2019، ثم جاء الهجوم الصاروخي على قاعدة كي1 في كركوك ونتج عنه مقتل متعاقد مدني أميركي وإصابة 6 جنود أميركيين وعراقيين في 27 ديسمبر الماضي في خضم الاحتفالات بأعياد الميلاد وهو الهجوم الـ 11 على قواتها في العراق في غضون شهرين حسب البيانات الرسمية الأميركية ليمثل عامل ضغط إضافي على الإدارة الأميركية.
{ (يتبع)
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
12/01/2020
1715