+ A
A -
إنَّ تحوُّلات الإعلام الجديدة من شأنِها أن تُلامِس، بشكلٍ مباشِر، اتّجاهات الصحفيين في قطر نحو استخدام هذه الوسائل الجديدة في الخدمة الصحفيَّة، فلا حَزَرَ أنَّ مهارات ومُؤهِّلات وقُدرات الصحفيين في التعامُل مع منصَّات الإعلام الجديد أصبحَت من أهَمِّ المعايير التي على أساسها يتم اختيار وتوظيف القائم على إعداد وإنتاج الرسالة الإعلاميَّة في العصر الحديث. وعليه، فإنَّ الصحفيين اليوم يجدون أنفسهُم أمام تحدِّيات مهنيَّة جديدة بسبب ما تفرضُهُ عليهم البيئة الإعلاميَّة التقنيَّة الجديدة، إضافةً إلى كمٍّ كبيرٍ من الميِّزات والخصائِص التي تمنحُهُم إياها هذه الوسائِل التي سهَّلت الكثير من العناء أمام أبناء بلاط الصحافة العتيقة الكلاسيكيَّة. أصبحَ يزداد كل يوم إدراك الصحفيين لأهميَّة تطويع مهاراتهم وأدواتهم باستخدام أدوات الإعلام الجديدة لتحقيق خدمة صحفيَّة سريعة ومتميزة ولافتة، فقواعد البيانات الضخمة وما تحتويه من معلومات وحقائق والمصادر الإعلاميَّة المتنوعة المتاحة على الشبكة العنكبوتيَّة الدوليَّة سهلت حياة الإعلامي والصحفي في العصر الحديث بشكلٍ كبيرٍ جدًا، فعلاوة على ذلك سهّلت البيئة الإعلاميَّة الجديدة على الإعلامي عمليَّات التغطية الخبريَّة والتحليل والبحث الإلكتروني والتحقُّق من مصداقيَّة الأخبار، إضافة إلى إمكانيَّات استخدام أشكال صحفيَّة جديدة في العمل المهني، كإنشاء المجموعات الإخباريَّة، وعقد المؤتمرات الصحفيَّة والمقابلات الشخصيَّة عن بُعد، وعمل استطلاعات للرأي العام، وغيرها من الأشكال التفاعليَّة المتاحة حاليًا عبر منصَّات الإعلام الجديد الذي يتميَّزُ بجمهورٍ نشِط متفاعل ويُسهِمُ بشكلٍ سهل وإيجابي، في كثيرٍ من الأحيان، في تنفيذ الكثير من الأفكار الإعلامية، حيثُ يُعبِّرُون بكل أريحية عن آرائهم ويُوصلون أصواتهم في مختلف القضايا المطروحة أمام الرأي العام في هذا الفضاء الكوني الفسيح.
قارئي الكريم، ثمَّةَ فرقٌ شاسِعٌ بين مهنة الصحافة في مرحلة ما قبل الإعلام الجديد، ومرحلة ما بعد الإعلام الجديد، حيث أصبحت مهنة المتاعِب والتضحيات أقَلُّ تعبًا من ناحية وأكثر مسؤوليَّة من ناحيةٍ أُخرى، فالصحافة المُلقَّبَة عُرفًا ببلاط صاحبة الجلالة (لقب التشريف والتكليف معًا) عليها ألا تتحوَّلَ إلى بلاط صاحبة (الضلالة) بفعلِ تلوُّث أقلام بعض غير المهنيين الذين يُزيفون الحقائق ويُصدِّرُون الكذب والإشاعة ويُضللون الرأي العام لأهدافٍ غير نبيلة. ففضاءُ الإعلام الجديد، فضاء الثُنائيَّات والمُضادَّات، نظامٌ دينامِيٌ شديد التعقيد، وضمن هذا النظام، ومع ما يتضمَّنُهُ من عناصِر ماديَّة ورمزيَّة، تحدُثُ الكثير من السُلوكيَّات غير المنظمة، التي تصدُرُ بشكل أساسي من المُرسِل القائم بالاتصال، وعليه فإنَّ توفير الأدوات الإعلاميَّة الجديدة والحُريَّات التامَّة الممنوحة للصحفيين والإعلاميين دون التأكيد على أهميَّة الحفاظ على المهنيَّة والأخلاقيَّات الإعلاميَّة ودون الحرص على بَثّ المعلومات والأخبار الدقيقة الصحيحة وتوجيه الأفكار والرسائِل الحضاريَّة البُنيويَّة النهضويَّة؛ لن تُغَيِّر من واقِعنا الإعلامِي العالمي المأسوف عليه شيء، بل ستزيدُهُ تردِّيًا وتراجُعًا.
نحنُ بحاجَةٍ ماسَّة إلى جهودٍ بحثيَّة ومهنيَّة جادَّة نحو تغيير النظام الإعلامي العالمي، وذلك لتحقيق نوعٍ من التكافُؤ النِسبِي بين التدفُّق الإعلامِي الصادِر منَّا وإلينا، بحيثُ يستطيع المُرسِل والمُتلقِّي العرَبِي أن يقيم المُعادلَة الصحيحة بين هُويَّتِه وولائِه وانتمائه، وبين تفاعُله الحيوي مع مُختلَف الثقافات والأيدولوجيَّات العالميَّة، تكافؤٌ يُمَكِّن الصحفي والإعلامي العربي من التحوُّل من مرحلة استقبال واستهلاك وتقليد المنتج الإعلامي الغربي إلى مرحلة تصدير وإنتاج وابتكار المنتج الإعلامي العربي وترك بصماتٍ مؤثِّرَة وواضَحَة في الفضاء العالمي المفتوح.
وتأسِيسًا على كُلِّ ما سَبَق، يهتمُّ كتابي الجديد، الصادِر عن دار روزا للنشر، وهو دراسة وصفيَّة تحليليَّة ميدانيَّة على عددٍ من الصُحُف القطريَّة، الموسوم بـ: (الصَحافَةُ القطريَّة والإعلامُ الجَديد) باتّجاهات الصحفيين في قطر نحو استخدام الإعلام الجديد في الخِدمَة الصحفيَّة، فقد أصبح الإعلام الجديد سلاحًا يُقارع القنابِل النوويَّة والبنادِق والدبابات والصوارِيخ، سلاحًا حقيقيًا بيدِ الصحفيين وبيد المواطنين الصحفيين، وقد شرعتُ في هذه الدراسة بهدف تجلية اتجاهات الصحفيين العاملين في أبرَزِ الصحُف القطريَّة الصادرة باللغة العربيَّة، نحو استخدام منصَّات الإعلام الجديد المختلفة في خدمتهم الصحفيَّة، وإن شاء الله تعالى سأركِّزُ في عامودي في الفترة القادمة على تسليط الضوء على أبرز النتائج التي خلصَت إليها هذه الدراسة تحقيقًا للهدف التوفيقي الذي شرعتُ لأجلِهِ هذا العمل العلمي الذي أبتغي فيه أولًا مرضاة الله ثم الإسهام العلمي الجاد في خدمة المهنة الصحفيَّة والمكتبة العلمية.
{{{
وبهذه المناسبة أدعوكم أيُّها القُرَّاء الأوفياء إلى زيارة جناح دار روزا للنشر للحصُول على نُسختكم من هذا المؤلف، وأرجو أن يرقَى إلى استحسانِكُم، إن أصبتُ فيما ذهبتُ إليهِ فإنَّهُ توفيقٌ من الله العَلِيِّ العظيم، وإن أخطأتُ فمِن نفسِي والشيطان الرجِيم.
{ إعلاميَّة وباحِثَة أكاديميَّة - جامعة قطر
بقلم: خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
11/01/2020
4987