+ A
A -
المخاض العسير الذي ينتظره كل التونسيين بعد نجاح الانتخابات الرئاسية والتشريعية بدا أعسر مما توقعه الجميع. لم تنجح محاولات رئيس الحكومة إلى حدود كتابة هذه الأسطر في لمّ شمل الأحزاب التونسية التي فازت في الانتخابات التشريعية من أجل تشكيل الحكومة والبدء في تنفيذ المشاريع المعطلة.
هذا الوضع نجح في امتصاص الحالة الايجابية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية وتميزت بعودة النفس الثوري بشكل لا يكاد يخفى على أي مراقب للوضع هناك.
منذ مدة قصيرة تمكن التونسيون من إنجاح مناسبتين انتخابيتين مهمتين، وهما الانتخابات التشريعية والرئاسية بشكل فتح الباب أمام إمكانية تشكيل الحكومة لكن طبيعة النتائج البرلمانية لم تكن حاسمة بشكل يمكّن هذا الطرف أو ذاك من أغلبية مريحة تسمح له بذلك. هذا الأمر نتج عنه احتمالان يتمثل أولهما في ضرورة التعايش بين القوى السياسية المتنافرة من أجل الخروج بالبلاد من الوضع الكارثي الذي تشهده على مختلف الأصعدة وخاصة منها الاجتماعي والاقتصادي. أما الاحتمال الثاني فيتمثل في تعطيل تشكيل الحكومة إذا أصرّ كل طرف على موقفه وهو ما يحدث اليوم بشكل يدفع إلى تفعيل حكومة كفاءات من خارج الأطياف الحزبية.
السؤال الذي يُطرح بشدة إنما يدور حول عجز النخب العربية والأحزاب السياسية التي كانت في المعارضة عن تأمين مسار انتقالي يخرج بالبلاد من مرحلة الاستبداد. لماذا فشلت النخب العربية في بعض الدول العربية خاصة في منع عودة النظام القديم ؟
لقد تكرر المشهد التونسي في بعض الدول رغم اختلاف السياق والفواعل حيث نجحت المنظومات الانقلابية في الاستفادة من تشرذم النخب السياسية وعدائها لبعضها البعض لتكتسح المشهد من جديد. إن تكرر هذا السيناريو هو الذي يقود إلى فرضيات مخيفة تتعلق بالدور الحقيقي لأحزاب ونخب المعارضات العربية بمختلف مشاربها وخلفياتها. من الصعب القبول بفشل كل الأحزاب المعارضة العربية في تخطي مرحلة الاستبداد وهي التي أمضت عمرها في انتظار اللحظة التاريخية التي تسمح لها بتجسيد مقولاتها ونظرياتها على الأرض.
نميل اليوم كما يميل آخرون كثر إلى اعتبار الأحزاب السياسية العربية في قسم كبير منها ومن نخبها جزءا لا يتجزأ من المنظومة الاستبدادية العربية في مفهومها الكلي. هي منظومات لا تؤمن بالتعايش رغم الاختلاف بل تقوم على الاقصاء وعلى اعتبار الآخر المخالف عدوا لا يمكن البناء معه. هذا التصور هو الذي أوصل ليبيا إلى حالة التــــناحر والتقاتل وهو الذي أوصل تونس إلى طريق مسدود نأمل أن تتجاوزه في أجل قريب.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
26/12/2019
1609