+ A
A -
تغيرات كبرى يعيشها المشرق العربي، لم يركد قدرها الذي يغلي اليوم، وهي تنعكس بصورة مباشرة وتأثير حالي واستراتيجي على المشرق العربي وإقليم الخليج العربي، ولو كان وضع مجلس التعاون الخليجي موحداً لكان التحدي كبير جداً وليس هيّناً، فكيف بواقع الانقسام الحالي.
فمعركة أنقرة الواسعة في سوريا، ضد المقاتلين الأكراد خلقت توازنات وتحالفات جديدة، وسواءً كانت خطة الحرب في شرق الفرات، معدة سلفاً لتوريط تركيا، أو كانت متطلباً قومياً للأتراك فقد خلقت اليوم واقعاً جديداً، فهناك تحالف روسي أميركي إيراني مع النظام، انضمت له السعودية وأطراف أخرى، سحب الأضواء من ملف الصراع الإيراني الأميركي، الذي كان ولا يزال تحت السيطرة.
ومن غير المرجح بالنسبة للمراقب السياسي، أن تستمر تركيا في مواجهة هذا التحالف، خاصة بأن تحالف سوتشي الذي لا يزال قائماً بينها وطهران وموسكو، وعبره تم تصفية الثورة السورية، هو الجسم البديل الذي انضمت له أنقرة، منذ تدهور علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، والتي تجددت خطابات المواجهة الإعلامية معهم، دون أن تقطع شعرة معاوية.
فحكم العدالة اليوم سيسعى لتقليل أضرار الحرب، بعد ضمان تحقيق المتطلب الانتخابي المهم في صراعه مع المعارضة، وهو التخلص من ملف اللاجئين السوريين والذي أكده الرئيس أردوغان، وهو نقل مليوني لاجئ سوري إلى المنطقة المؤمنة حديثاً، وهو تأمين لا يمكن أن يقوم دون التنسيق مع روسيا وإيران، ويقنع الشعب التركي الذي يتزايد توتره من اللاجئين العرب.
وقد صرح الرئيس التركي، بأن دخول النظام إلى منبج ليس سيّئاً، وتصريحه هنا موجهة لموسكو وطهران بأن تركيا ستتعامل مع النظام مستقبلاً، لكونه الواقع المقبول من بقية الأطراف وخاصة حلفاء تركيا، لإنهاء ملف اللاجئين السوريين، الضاغط الأول في الملف الداخلي التركي. وهناك أسئلة كثيرة عن حصيلة هذا المشروع، هل ستبقى تركيا بقوات مشتركة مع الروس، لحين التفاهم مع النظام، وما هو إطار التفاهم الذي سيتم، وما هي الضمانات الإنسانية للاجئ السوري، ظروف صعبة جدا على عرب تركيا وسوريا بالخصوص، لم تتضح معالمها إلى اليوم.
هذا التوافق المتوقع لن يوقف فيما يبدو، اغتنام موسكو لفرصة السعي السعودي الجديد لها، وهو سعي لن يوقف تحالف الرياض مع ترامب، وانضمام الرياض لهذه الترتيبات هو أيضاً إشكالية عميقة، فهي تسلم موقفها للراعي الدولي بين موسكو وواشنطن، دون معالجة الموقف العربي المنهار، ليكون طرف تفاوض وتوافق نسبي مع تركيا، وحتى الحوار مع إيران يتم عبر باكستان وليس مسقط الأقرب، أي أن حالة التشظي تتوسع دون أي تهدئة أو مراجعة دبلوماسية عميقة.
فماذا لو كانت هذه الأحداث في ظل توافق خليجي؟
فلننظر هنا إلى ما بعد حرب شرق الفرات، كيف ستتشكل تسويات أو ترتيبات أمنية في ظل تقدم موسكو وحسمها، وتمسكها بالتحالف مع طهران، وهذه اليوم التجربة الثانية التي تخوضها الرياض مع موسكو، ولن تتخلى موسكو عن حليفها الإيراني لحساب مصالح موقف موسمي، في حين نموذج الخليج العربي هو نموذج ابتزاز اقليمي رضخت له أطراف الأزمة الخليجية.
فلو كان الأمر عبر تشكل جسم جماعي، يجمع دول المجلس والشرعية اليمنية قبل تفكيكها اليوم، واسند بتنسيق عربي وليس صوت وهمي للجامعة أو الاعتماد على منظومة السيسي، فسيكون الموقف أفضل في الخلاف مع تركيا ليعالج بالحوار الدبلوماسي، لا بالصراع معها، بغض النظر عن خطايا تركيا، وخطايا العرب في شعوب المشرق العربي، لكن المصلحة الواقعية تحتم ذلك، قبل التعامل مع النظام الإرهابي في دمشق. فأهم أمر سيؤثر على المنطقة هو مستقبل الشعب المضطهد كيف يؤمّن داخل سوريا، أما الثورة فثبات روحها لا علاقة له بهياكل وهمية باسم الثورة، وانما ببعثها في إطار فكري نضالي حقوقي مستقل، يأخذ من مأساة الماضي وتلاعب الأصدقاء درسه الكبير، مستقبل ثورتك يصمد بيد شعبك، وتسقط حين تسلمها للحلفاء.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
20/10/2019
2958