+ A
A -
حسان يونس
كاتب سوري
لا أحد يعرف على وجه اليقين الأسباب التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم، لكن الكل يعرف أن هذا البلد العربي يواجه أزمة اقتصادية صعبة في ظل عجز بموازنة الدولة يتجاوز «87» مليار دولار، وبطالة تتجاوز «35 %»، والكل يعرف أن المجتمع الدولي والهيئات الدولية المانحة، يطالبون لبنان بخفض العجز بنسبة «1 %» سنويا لمدة «5» سنوات من أجل منحه القروض والهبات التي تبلغ نحو«11.8» مليار دولار تنفيذا لمقررات مؤتمر «سيدر» الذي عقد في العاصمة الفرنسية في أبريل من العام الماضي.
لماذا وصل لبنان إلى هذا الحال؟.
من الصعب إعطاء إجابة محددة، وإن كان الفساد الذي استفحل وتحوّل إلى وحش ينهش جسد الدولة اللبنانية، يتحمل جانبا أساسيا من المسؤولية، لكن كيف يمكن وضع حد لهذا الفساد؟.
لا بد من ملاحظة أولية مفادها أن هذا الفساد وجد تربته الخصبة في النظام السياسي اللبناني القائم على المحسوبية والمحاصصة الاقتصادية والطائفية، وفي هذا الإطار يقوم أفراد النخبة السياسية التي تتوارث الحكم على شكل إقطاعيات سياسية بتولي إدارة مؤسسات الدولة لخدمة مصالحها المحلية والطائفية بالدرجة الأولى، وهو الأمر الذي يعكس حالة الخدمات والمرافق العامة السيئة، في حين يعتمد الكثير من اللبنانيين على زعمائهم المحليين للحصول على بعضها.
ولأن نظام المحسوبية والمحاصصة الاقتصادية والطائفية مستمر، فإن أي حديث عن إصلاحات جادة لا معنى له، وعندما نتحدث عن هذا النظام الفاشل، فلا بد من ملاحظة أن من يمده بالحياة هم اللبنانيون أنفسهم الذين تظاهروا أواخر سبتمبر وقطعوا عددا من شوارع العاصمة بيروت بالإطارات المشتعلة والحواجز، كما خرجت مظاهرات أخرى في عدة مدن احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
الذين احتشدوا مطالبين بمكافحة الفساد واتخاذ خطوات إصلاحية، وتحدثوا عن مطالب بتشكيل حكومة كفاءات وإلغاء نظام المحاصصة في البلاد، هم الذين انتخبوا وفق أسس طائفية بحتة، ومن المؤسف أن هذه الازدواجية مازالت تحكم الشعب اللبناني الذي يكتوي اليوم بنار الغلاء والفقر، ثم ينتخب كل الأشخاص الذين يضعهم في خانة الفساد والتسبب بما آلت إليه الأمور.
لقد رأينا جميعا كيف أقصى الشعب التونسي الطبقة السياسية في الانتخابات الأخيرة لأنها لم تتمكن من إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية وخصوصا ارتفاع الأسعار والتضخم الذي يؤرق كاهل المواطنين منذ ثورة 2011.
هذا «التصويت العقابي» هو ما يحتاجه لبنان، من انتخاب أعضاء مجلس النواب، إلى رئيس الجمهورية، وطالما لم يتمكن من فعل ذلك فإن عليه أن ينتظر الدخول في مرحلة «الإفلاس الاقتصادي»، وقد خبرها بالفعل خلال العقدين الماضيين، دون أن يؤدي ذلك به إلى الابتعاد عن خياراته الانتخابية القائمة على الطائفية، وكل حديث عن عملية إنقاذية جديدة من جانب الحكم لا معنى له على الإطلاق، إذ أن اللبناني يدرك أكثر من غيره أن أي خطوات إصلاحية سوف تكون تجميلية لا تغير بشكل جوهري من واقع الحال، وهو بائس إلى أبعد درجة.
لقد حان وقت التغيير بالنسبة للبنانيين جميعا، والتغيير بأيديهم وحدهم، حفاظا على وطنهم الجميل الذي لا يستحق ما انتهى إليه على يد طبقة سياسية أثبتت فشلها الذريع.
copy short url   نسخ
08/10/2019
1191