+ A
A -
إن الأزمة في إسرائيل، وهي أزمة ناتجة عن توزع المقاعد على عدد كبير من الأحزاب الصغيرة، فيما الأحزاب الكبيرة تتراجع يوما بعد يوم وتفقد القدرة على تأمين أغلبية للحكم، هذه الأزمة تعكس أزمة بنيوية عميقة تضرب الكيان الصهيوني منذ أكثر من عقدين، أي منذ أن بدأ المشروع الصهيوني مرحلة الهزائم والتراجع والانحسار بعد هزيمة جيش الاحتلال أمام المقاومة عام 2000 واضطراره إلى الهروب من لبنان تحت ضربات المقاومة، ومن ثم هزيمته في قطاع غزة أمام المقاومة الفلسطينية التي أجبرته على الانسحاب من القطاع وتفكيك المستوطنات هناك لأول مرة على أرض فلسطين، وبعد ذلك هزيمة جيش الاحتلال الصهيوني القاسية والمدوية في الحرب التي شنها على لبنان عام 2006، حيث نجحت المقاومة في تلقين جنوده في وحدات النخبة دروسا في القتال وحولت دبابات الميركافا إلى حطام.. والجبهة الداخلية للعدو إلى ساحة حرب زلزلت الكيان، كل ذلك أدى إلى إحداث انقلاب في بنية التفكير الصهيوني من شعور بالتفوق وقدرة الردع وشن الحرب وتحقيق النصر فيها.. إلى سيادة مناخ عام في الجيش ومجتمع المستوطنين بالعجز وعدم القدرة والثقة في بلوغ الأهداف المرسومة في أي حرب يخوضها الجيش الإسرائيلي.. هذا إلى جانب سقوط نظرية الأمن والاستقرار التي شكلت أساس ازدهار الهجرة الصهيونية إلى فلسطين المحتلة.. ما جعل الهجرة تتراجع لصالح ارتفاع الهجرة المعاكسة من فلسطين إلى البلدان الأم التي جاء منها المستوطنون.. كل ذلك أسفر عن تسعير التناقضات والاختلافات السياسية حول المسؤولية عن هذا الوضع المتردي، وبالتالي زيادة حالة الانقسام والتذرر والتشرذم على المستويات السياسية والمجتمع، تفاقم منها دخول الكيان في أزمة إنتاج قيادات قادرة على إخراج الكيان من مأزقه الذي يغرق فيه مع كل ضربة موجعة يتلقاها من المقاومة في لبنان وقطاع غزة ومن شبان الانتفاضة الفلسطينية.. أما محاولات استعادة قوة الردع الصهيونية في المواجهة مع المقاومة فإنها فشلت مما زاد من مأزق القوة الصهيونية وجعلها مكبلة أكثر من أي وقت مضى.
وفي المقابل، فإن الحرب الإرهابية الكونية على سوريا لكسر ظهر محور المقاومة وقلعته وعموده الفقري، ومحاصرة المقاومة في لبنان وفلسطين وإعادة تعويم المشروع الصهيوني الأميركي.. فإنها أخفقت وأدت إلى زيادة قوة محور المقاومة وتماسكه واتساع جبهته، وهو ما انعكس بزيادة مأزق نتانياهو الذي لم تنجح كل اعتداءاته على لبنان وسوريا والعراق في استعادة قدرة الردع الصهيونية وإخراج الكيان من مأزقه، وبالتالي تعزيز شعبيته والحصول على تأييد الصهاينة في الانتخابات على نحو يجعله ينتمي إلى جيل القادة الصهاينة التاريخيين.. والذين كان آخرهم الرئيس الصهيوني السابق شمعون بيريز.
انطلاقا مما تقدم يمكن القول إن الكيان الصهيوني يعيش أزمة بنيوية وهي أزمة تطال كل مقومات وجوده الأساسية.. فهي أزمة الجيش الذي فقد قدرة الردع ولم يعد يملك اليقين بتحقيق النصر اذا ما دخل في حرب.. وهذا الجيش يشكل أساس وجود الكيان.. وهي أزمة عدم القدرة على التوسع والتقدم في المشروع الصهيوني.. وهي أزمة نابعة من دخوله في مرحلة الهزائم والخوف والقلق على وجود ومستقبل الكيان والمشروع الصهيوني.. وهذه الأزمة كانت قد دفعت شمعون بيريز إلى القول: «إن إسرائيل تمر بمرحلة التدمير الذاتي».. في إشارة بليغة إلى طبيعة الأزمة البنيوية التي تعصف بالكيان الصهيوني على أثر هزائمه أمام المقاومة والتداعيات المزلزلة التي أحدثتها في داخل الكيان على المستويات كافة.
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
29/09/2019
1255