+ A
A -
مذ طفولتي وأنا أسمع عن «شوشو» سليلة عائلة «الأتاربة» الشهيرة.
للعلم «شوشو» هو اسمها الحقيقي «لكنها غيرت اسمها إلى «شمس»، وسطعت في محيطها لكن رغم تغيير اسمها، إلا انه لم يعرف عنها استغلال اسم العائلة للمنظرة أو للتقوت من نجاحات الأجداد، بل كانت أقدر على ضخ النجاح من صميم نفسها.
لقد مزجت «شمس» بين سمات العملية والإنسانية، فلم يقترب أحد منها إلا وشم عبق التفوق ولمس طعم الإنساني الجميل، كما أعطيت موهبة تحويل التراب لتبر والفشل لنجاح.
إننا أمام امرأة ولدت بمطلع الأربعينات في مدينة إقليمية، ومع هذا فقد اختارت شريك حياتها ومجال عملها واسمها كما أقامت صالونا أدبيا جمعت فيه المبدعين لتشجيعهم.
بالطبع نجحت «شمس» في مجال تصميم الأزياء التراثية، لكنها تفوقت إنسانيًا في معاونة محيطها، كما شجعت أبناءها على تجربة أنفسهم في مختلف المجالات. إنها من نوعية الأمهات اللائي تمرسن على حقن أبنائهم بهرمون الثقة بقدراتهم.
لقد وصفها الكاتب «جمال فهمي» بأنها: «تقف بحماس في صفوف المنتصرين للتقدم وإشاعة نور العلم والإبداع، وتعادى بشجاعة حراس ظلام العقول».
كنت صغيرة حين قابلتها ببيت أحد أصدقاء العائلة المشتركين، ولكني التفت لكوني أمام سيدة بجرأة فكرية لا نظير لها.
وقد مر عليها قائمة طويلة من المساعدات أشهرهن «نوسة»، ولكن شمس نفسها ساعدت الكثيرين على اكتشاف أنفسهم، فكانت عرابة بكل ما تعنيه الكلمة، إذ كانت قادرة على استخراج النفيس من الإنسان وصقل من يأتيها منكسرًا.
إحدى صديقاتي اللائي يعملن في مجال «اللايف كوتش» أخبرتني أن طالبًا جامعيًا طلب مساعدتها، فأخبرته أنها لا ترى سببًا لفشله في الحصول على شهادة جامعية وقالت له: «أنت سيارة مرسيدس، لكنك بحاجة فقط لفتح الكونتاكت للتشغيل».
وبدهشة، أخبرتني الصديقة أن الطالب قد اتصل بها لاحقًأ ليشكرها، فقد نجح في تخطى عقبة الحصول على الشهادة الجامعية نتيجة للكلمة التي أسمعته إياها.
يبدو أن حتى «اللايف كوتش» يندهشون لقوة أثر الكلمة الداعمة في نفوس البشر.
لكن «شمس» كانت على دراية بأهمية الدعم، فكان لسان حالها يُعلن لمن يأتيها مهزوماً أنه سيارة «هامار». ما كان يساعدهم في تخطي الصعاب، فلقد كانت ماهرة في تقدير الناس، كما كانت من مشاهير الكرم في مصر. إن صغار العالم يعيشون في مجتمعات احترفت حرق المواهب وتحطيم النفوس بمئات الطرق الخفية والعلنية، المقصودة والغير.
وللأسف فإن التشوهات تنجم لا من النيران المعادية أو الصديقة فحسب، بل أحيانًا من النيران الحبيبة. فبعض الآباء لا يجدون دافعًا لإثبات محبتهم لأبنائهم، ويعتقدون أن الإنفاق لهو خير برهان، ناهيكم عن أن البعض ينهج سبل الأسلاف في استمراء تسفيه صغاره والتفاكه على زلاتهم علنًا، عدا السخرية من خلقتهم!
: «روحي كده وأنت شبه عمتك».
: «أنفك كبير جداط
:»حاول عدم التعرض للشمس؟ انت مش ناقص سمار«؟
:»ابقى قابلني لو فلحت!«
ناهيكم عن المقارنات والتحسيس بالصغار، إذ قل من يرون أهمية لمنح الاعتبار للأبناء.
:انت ناقصك إيه علشان تجيب مجموع كما ابن عمك؟
:«بلاش تروح عزومة أصحابك، ملابسك قديمة وابوك طلع معاش وماحدش هيعملك قيمة، فممكن تتهزأ».
:«الناس قدرات وانت مخك ما بيستوعبش الكيمياء، استحالة تدخل صيدلة».
هذا فيض من وبال مدمر لنفسية أناس قدر لهم العيش مع أهل غير مؤهلين لتربية نشء.
فنسبة ضئيلة من الآباء كـ«شمس» تدرك أهمية ترك ما في يدها لو قال لها ابنها: «بص بابا بص»
فصغارنا ينقصهم تصفيق الأم على حل مسألة فيزيائية، وبناتنا بحاجة لربتة كتف ولوقت والدها لإقناعها أنها وإن عجزت عن فهم مسألة هندسية، فليس هذا مرجعه لكونها غبية، بل لربما لعجز المدرس عن الإيضاح وإن درست بمدرسة دولية أو حتى في الخارج.
إن صغارنا يتعرضون آنيًا لمختلف محاولات التسفيه والتهوين من الشأن في قدراتهم ومظهرهم، ما يقوض أهليتهم لاستحقاق مشاعر التقدير.
فكم نحن بحاجة لأمثال «شمس» وليتك تسمع صغيرك
:«أنت سيارة «هامار» وستقود حياتك بنجاح».
لقد ورد في سورة المائدة:
«ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».
حيا الله ذكرى «شمس» التي علمتنا أن ربتة الكتف من أنفع الطرق في إحياء النفوس المحروقة بنيران حبيبة.
كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
28/09/2019
1798