+ A
A -
بقلم :
د.ســعاد دريــر
كاتبة مغربية
[إهداء]: - إلى المسافات التي الْتَهَمَتْ عمري نكاية في قطار الزمن الذي لم يَرحم صرخةَ أُنْثَى أَنْهَكَها الغياب..
- إلى زمن مُنْصِف..
«إنْ لم أَعُدْ أُساوي شيئا في ميزان الحُبّ فلماذا تُعَلِّقني بكَ؟! لماذا تَئِدُ أَنْفاسي وتَحكم على سفينة إحساسي بالغرق في بحرك المالح؟! لماذا تَهزم حصانَ أشواقي في معركة القلب الذي لم تَسْمُ إلى الإيمان بدِينه يوما أنتَ وأنتَ تَكفر باعترافك بانتحارِه بين يديك؟! لماذا أُرَوِّضُكَ على الحُبّ وتُرَوِّضُني على الحرب؟! لماذا تَنأى بعذاب إنكارك لوجود مَن يَنبض له قلبك بعيدا عن سواحلي وحصوني؟! لماذا تَصلبني على سقف رغبتك المجنونة في تَمَلُّكي؟! لماذا تَسجنني خلفَ قضبان انتظارك وأنتَ تَعرف أنك لن تأتي؟! لماذا تَجعل مني بطلةَ وهمٍ لن يتحقق إلا على أرض مخيلتكَ؟! لماذا تَعتصر غيمتي في أرضك القاحلة؟!»..
{{{
هكذا مَضَتْ وصال تكتب له في منتصَف عمرِ رحلةِ حُبّ، رحلة حُبّ أَبَتْ إلا أن تُجَرِّعَها القسوةَ على مضَض..
{{{
الكبرياء!..
الكبرياء غُصَّة، غُصَّة في حلق الروح!..
ولا شيء يَقهرك يا أنثى غير الكبرياء، بينما ذيل الزمن يَجلد قلبكِ بلا رحمة..
{{{
هل كانت وصال تُمَنِّي نَفْسَها بأن تَضَعَ حَدّاً لِقَدَرِها القاسي في ذروة معركةِ حُبٍّ رَأَتْ مِن الجُبن ألا تَخسرَ فيها؟!
{{{
أُنْثَى بمواصَفات وصال هي أُنثى لا تُقْهَر مَهْما نال منها سيفُ الزمن..
لكن هل كان منصف يَفهم ما تَكونُه صرخةُ أنثى تَنسج من روحها الجبارة مناديل تَكفي للملمة الجرح؟! ومن يكون منصف؟!
{{{
مُنْصِف ليس أكثر من امتحان وضَعَه القَدَر في طريق وصال ليَجُسّ نبضَ صبرها على الفقدان..
{{{
قالت له في آخِر رسالة وهي تكتب له بدموع القلب الذي يَحمِل في يديه كَفَنَه: «لماذا تُجْبِرُني على البقاء وهناك مَن ينتظر ويَملك مِن الرِّقَّة ما في وسعه أن يَمسح جرحا قديما؟!»..
{{{
كانت تكتب إليه والشوق يَعبث بِحَبَّات قلبِها، شوقها إلى رؤيته مرة واحدة قبل أن تَموت..
الموت!..
لماذا الموت؟! لماذا يَحطّ هذا الطائر الأسود على نافذة الحُبّ الْمُعَلَّق؟!
{{{
وصال أَحَبَّتْ حتى النخاع، لكن مِن سوء حظها أنها أَحَبَّت الرَّجُل المناسِب في الوقت غير المناسِب..
مِن سوء حظها هي أنها أَحَبَّتْ في زمنِ منصف..
ولم تُحِبّ سِوَى منصف..
أَحَبَّتْهُ حتى النخاع، أَحَبَّتْهُ كما لم تُحِبّ امرأةٌ رَجُلاً..
أَحَبَّتْهُ بِشَرَف..
أَحَبَّتْه بِنُبْل العاشقين القادمين مِن الزمن الجميل..
أَحَبَّتْهُ، ووَجَدَتْ هي مِن الحكمة أن تُضْمِرَ في صدرها حقيقةَ الوَرَم الذي كان يُعَشِّشُ في رأسها ويَأكل منه في صمت..
{{{
هل كانت وصال تَقْوَى على أن تُصارِحَ رَجُلَها بالمصير المؤلم الذي كان ينتظره؟! وصال كانت تَحفظ منصفا، كانت تعلم إلى أيّ مدى هو من الرقة والرهافة، ويقينا، يقينا لن يَتحمل حقيقة كبرى في مستوى موتها المحتم..
وصال رَأَتْ مِن المروءة أن تَجتهد في إخفاء معالِم المرض اللعين، وظَلَّتْ مؤمنةً بأن القلب المحِبّ يَظَلُّ تَوَّاقاً إلى سماع ما يُرضي ممن يُحِبّ..
{{{
آخِر الفحوصات أَكَّدَ بما لا يَقبل الشكّ فيه أن ما تَبَقَّى مِن وقت أمام وصال لا يَسمح بإرهاق قلبِ رَجُلِها في البكاء، نَعَم، البكاء! لذلك آثَرَت المسكينة صمتَها على دموعه..
{{{
كانت وصال تَقبل بأن يَهجرها منصف، صحيح لم تكن تَرفض، أو لِنَقُلْ إن تَآكُلَها تحت وطأة الوَرَم سَحَبَ بِساطَ قدرتها على تَحَمُّل مشهد الدموع في عَيْنَيْ حبيب، لذلك رَأَتْ مِن العَدل أن تَعيش على ذِكرى حُبٍّ لم تُزَيِّفْهُ يَدا رَجُلٍ..
عندما تُحِبُّ امرأةٌ، فإنها تَفتح أبوابَها ونوافذها للقلب الذي يَطرقه وفي عينيه باقَتَا وَرْدٍ..
{{{
(...) «كُنتُ أَعْلَم أن حُبِّي له صفقة خاسِرة»..
«بِاسم الحُبّ دائما نَخسر نفوسنا»..
«وبِاسم الحُبّ نُذْبَح»..
«نُعطي كل شيء، وفي المقابل لا نَأخذ شيئا سِوى لعنة الوجع التي تنزل علينا ولا تفارقنا إلا بطلوع الروح»..
«كم علينا أن نُصَبِّرَ نفوسنا بأنَّ غَداً يوم آخَر؟!»..
«كم علينا أن نَعْتَصِرَ الجرحَ بعد أن تَختمر مشاعرنا ويَذبل وَرْدُها؟!»..
«كم علينا أن نَتَحَمَّلَ انصهار القلب كَقِطْعة السُّكَّر..؟» «كم علينا وكم علينا أنْ..؟!»
copy short url   نسخ
28/09/2019
2700