+ A
A -
إن أخطر حديث نسب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام حديث أن اليهود افترقوا إلى 71 فرقة والنصارى إلى 72 فرقة وأما المسلمون فإلى 73 فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة تدخل الجنة.

هذا الحديث اعتمده جمهور الفقهاء القدامى والمعاصرين، وروجوه في كتبهم وفي خطبهم الدعوية وفي مناظراتهم الجدلية بين المذاهب والفرق الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي.

لقد حكم هذا الحديث الأفق المذهبي للمسلمين، ورسخ التعصب العقدي والطائفي بين أبناء أمة يؤكد دينها أن اختلاف المذاهب رحمة واسعة، وأن اختلاف البشر حكمة إلهية عليا، وكان من نتائج انتشار هذا الحديث في تركيبة المجتمعات العربية وقبول العلماء له، بروز عقلية إقصائية، لا تتقبل الآخر العقدي والمذهبي فضلا عن الديني، كما ساهم في زرع مشاعر الكراهية والتعصب في نفوس الناشئة، تجاه كل من يختلف معنا.

كما كان من تداعيات هذا الحديث الخطير، أن تمزقت الأمة إلى فرق متناحرة، تدعي كل فرقة أنها الفرقة الناجية دون الفرق الأخرى الضالة والمنحرفة، وامتد هذا المفهوم للفرقة الناجية، من الكتب القديمة، إلى المناهج الدينية الحديثة التي ندرسها لشبابنا بهدف تحصين عقيدتهم، وغفلنا عن أن زرع الكراهية في نفوسهم، تجاه الآخر المذهبي والديني، يحولهم إلى قنابل موقوتة تدمر نفسها وأوطانها، فالفكر العدواني إنما ينشأ في العقول أولا، عن طريق التعليم الخاطئ،ويغرس في النفوس ثانيا، عن طريق التربية غير السوية، ثم يعززه الخطاب التحريضي ضد الآخر المذهبي، ثالثا، ليتحول في النهاية إلى عنف وعدوان.

دعونا نناقش: ما مدى صحة هذا الحديث: سندا ومتنا؟

أولا: من ناحية أسانيده: فقد تكلم فيها بعض كبار العلماء قديما وحديثا، وأوضحوا أن الحديث وعلى تعدد طرقه لم يرد في الصحيحين، ولم يصح على شرط البخاري أومسلم، بالرغم من حرص الإمامين على عدم إغفال أي موضوع مهم، كما قالوا: إن كافة طرق الحديث معلولة، كما بينوا أنه مع تقديرهم لجهود العلماء الذين صححوا الحديث وقبلوه، استنادا إلى منهج تقوية الحديث بكثرة الطرق، فإن هذا المنهج لا يقوى على تصحيح هذا الحديث، لان طرقه كافة فيها ضعف، ولأن هذا المنهج، أي تصحيح الحديث بكثرة الطرق، لا يكفي في أمر خطير، يؤسس لعقيدة تحكم على المصير الأخروي لملايين المسلمين.

والمعروف عند أهل الأصول أن العقائد لا تبنى على الظنيات، ولمن أراد مزيدا من التثبت، مراجعة الدراسة الإسنادية الموثقة للدكتور حاكم المطيري، الأستاذ بكلية الشريعة قسم التفسير والحديث بجامعة الكويت وهو عالم سلفي ناقش الطرق الثمانية للحديث وبين عللها.

ثانيا: أما من ناحية متن الحديث: فهناك إشكالات شرعية ومنطقية وتاريخية، منها:

1 - كيف يتنبأ الحديث بافتراق أمة الإسلام بأكثر من افتراق اليهود والنصارى، والقرآن الكريم يقول عنها، كنتم خير أمة أخرجت للناس، كما أوكل إليها مهمة الشهادة على الأمم؟!

2 - ثم أنه من غير المنطقي والمقبول، أن جنة عرضها السماوات والأرض لن تسع إلا لفرقة واحدة من فرق المسلمين المتكاثرة!

3 - الواقع التاريخي للمذاهب والفرق سواءً اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية، يثبت بجلاء أنها تجاوزت ال 73 فرقة، عدا، ووصلت المئات، مما يشكك في صحة النبوءة في الحديث.

4- يتجاهل الحديث حكمة الخالق عزوجل، في خلق البشر مختلفين عقائد ومذاهب وأدياناً وثقافات (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة.. ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ولذلك خلقهم أي ليختلفوا الاختلاف الذي يعمر به الحياة، ومن هنا حرص القرآن أن يرشدنا إلى أن ندع الحكم على المصير الأخروي للناس، إلى الله تعالى، وحده إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كُنتُم فيه تختليفون

ختاما: علينا أن نعلم أولادنا أن الإسلام أكبر وأرحب من أن يختزل في مذهب واحد أو تفسير واحد أو اجتهاد واحد، علينا أن لا نضيق بالاختلاف المذهبي، بل نسعى لحسن إدارته فيما يخدم مجتمعاتنا ويقويها، وفق قاعدتين: الأولى: نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بَعضُنَا بعضا فيما اختلفنا، والأخرى: الخلاف لا يفسد للود قضية.

بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري

copy short url   نسخ
09/05/2016
2002