+ A
A -
د. سعاد درير
كثيرا ما نَشعر بأن العالَمَ تَتضاءَل مساحتُه، وتَصغر أشياؤُه، لِتَكبر فيه آلامنا وتَتَمَدَّد آمالُنا الْمُحَطَّمَة..
نَحن الذين لم نَخضع لتكوين سابق يُدَرِّبُنا على عبور جسر الحياة، لم نَستوعب إلى الآن لماذا تتهاوى سِيقاننا بِقَدر ما تتداعى ألواح الخشب العتيقة تِلك التي ما عادتْ تُشَجِّع طُلاَّبَ الحياة على استنشاق هواء الحياة..
صُمودنا لا يختلف عن صمود سُلحفاة تُقسِم أن تَهرب بعيدا عن الآخرين وهي تُخَبِّئُ رأسها بين ضلوعها، غير أن الدرسَ الذي لم يَستوعبه إلى الآن هذا الإنسان، هو أن كُتلةَ الجسد الآيِلة للتَّرَهُّل على امتداد دروب الحياة أَوْهَن مِن قميص السلحفاة..
لذلك يَخيب رجاءُ الإنسان، ويَجلده سَوْطُ الخذلان، فلا يَجِدُ إلا أن يَتَقَوْقَعَ على نفسه تَقَوْقُعَ حلزون..
لِنَقُلْ إننا خُلِقْنَا اجْتِمَاعِيِّي الطَّبع، كما ذَكَرَ العلاَّمة ابن خلدون مؤسس عِلم الاجتماع العربي، ومِن هنا يَصعب أن نَتحايَل على الحياة لِتَحْمِلَنا على عُبور طريقها ما لم نَرْتَمِ في أحضان الآخَر..
هذا الآخَر في وسعه بالتأكيد أن يُلَمْلِمَ دُموعنا ويَمسح بِيَدِه الطاهرة على أوجاعِنا الخَفِيّة والظاهرة..
لكن المشكلةَ مشكلةُ ثِقَةٍ، فكيفَ بالله علينا أن نُفْرِغَ صرَّةَ القلب وصندوقَ الصدر بين يَدَيْ مَن لا يُجِيد الإيمان بعقيدة الوفاء ومَن لا يفقه شيئا مِن قواعد تشكيل ضفيرة المحبة تِلك التي بها فقط أَفْهَمُ ما بِكَ وتَفْهَمُ ما بي..
إنه فَنّ البوح الذي يُنْتَظَر مِنّا أن نَتَفَوَّقَ فيه، فبِقَدر ما نُذِيبُ المسافةَ الفاصلةَ بيننا، تَستعيد أرواحُنا الرغبةَ في الْتِقَاط أنفاس الحياة بِشَهية مفتوحة مادام في هذه الحياة مَن يستطيع أن يُضَمِّدَ جرحي وأُضَمِّدَ جرحه، يُلَمْلِم بمنديل صبره وخوفِه عَلَيَّ دمعي وأُلَمْلِم دمعَه، يَجود عليَّ بِوَصْلٍ وقربٍ وحبٍّ وأَجُود عليه..
البوح يا صديقي عيادة نفسية بِحَجم علبة الكبريت الذي يُشعِل فتيلَ الطمع في المزيد من الحياة، البوح لِنَقُلْ إنه قُرْصُ الدواء ذاك الذي يَتسلل إلى أحشائك فيَغسل معدتَكَ ويَعمل على تطهيرك من الداخل..
وأنت تَبوح للآخَر بوجعك وهمك وشَجَنِكَ وخيبتك وألمك كأنك تُقْدِم على ممارسة رياضة نفسية تُؤَهِّلُك للحفاظ على صحتك النفسية.. ولا غرابة أن للنفس تأثيرا على الجسد، فإن هي ارتاحَتْ ارتاح هُوَ، وإن هي مرضَتْ مرضَ هُوَ..
لِنَبْحَثْ بين أَحِبَّتِنا وذَوِينا عن هذا الآخَر الجدير بأن نَفتح له أبوابَ حُجراتنا الداخلية ونَبسط بين يَدَيْه دفاترنا الْمَطوية، ولا نخشى منه أن يُسَرِّبَ محتوى أوراقنا السِّرِّية أو أن يَفضح شيئا منها..
بُحْ تُشْفَ.. بُحْ تَنْجُ.
نافِذَةُ الرُّوح:
- «ميزان القلب لا يُخطِئ».
- «عُملةُ الحُبّ لا تموت».
- «بين سنابل الحُبّ وموسِم الحصاد فُرْصَةٌ».
- «أَمْطِرِي يا سَماءَه بِوَصْلٍ قبل أن يَحمل الربيع حقائبَه ويُغَادِرَ مُدُنِي الظَّمْأَى».
- «إلى مَتى أهتفُ بجنونكِ يا عينَه الثالثة؟! وإلى مَتى أُرَتِّبُ لموعِدِكِ حُصوني وقِلاعي؟!».
- «نَمْ يا هَواهُ، نَمْ، فمازال في الصدر مُتَّسَعٌ لانكسار».
- «أَوَأُصَدِّقُ أنَّ سُفُنَ العِشق الهاربة عَنْ مواعيدها لا تُؤْمِنُ بِدِين بَحْرِ الليل؟!».
copy short url   نسخ
08/09/2019
2543