+ A
A -
المنع كما المنح كلاهما في وقته، عطاء.
فبعض الخلق يفيده المطر المبكر أو الإنجاب المبكر أو النجاح المبكر أو الشهرة المبكرة، فيما البعض الآخر، تحفزه بعض الإخفاقات وتثير فيه الهزيمة دافعًا أكبر، لتحقيق انتصارات ما كان ليشهدها لو استطاع توقيع انتصار من أول معركة.
فعلى سبيل المثال، هناك من البشر من يقدر النعمة ويقيمها، فلربما كان مفيدًا له أن يطعم الأبناء من أول سنة زواج، دون انتظار طويل أو دون اللجوء لأطباء وعمليات مجهرية وسواها، فيما آخرون سيكون تقديرهم لنعمة الإنجاب أكبر، وستكون حفاوتهم بصغارهم أوفر وعنايتهم بهم أشد، في حال رزقوا الولد بعد عقد من الزمان.
فسبحان من يعطي المطر المبكر والمتأخر في وقته لحكمة.
فالشاهد، أن هناك من يتأخر مطره في تحصيل شهادة علمية أو في التوفيق لوظيفة يسترزق منها رزقا حلالا، فيعاني لعقود من القدرة على تحصيل النقد اللازم لحياة كريمة، فيذوق السلف والعوز وعلقمية الدين ويتجرع المنّ ويتمرر من التعالي، وقد يعمل بدون مقابل لحكمة إلهية لا يعلمها سوى الله.
فقد يذيقه الله شتى ثمار الاحتياج ليستطيع لاحقًا التعبير عن الجياع والمحتاجين والمعوزين، أو ليتعلم وليشعر بآلام البشر، ثم يغمره الله ولو متأخرًا بسيول من نعم ورزق بعد أن تعلم فنون العطاء، وبعد التيقن أن في جيبه حقا للسائل والمحروم والمعوز، فلا يرى نفسه أعلى ممن يعطيهم ويبخل أو يتسلط بماله فلا يعطي فقط من يكبرونه أو من يسيطونه أو من يودونه، بل يكون قادرًا على مساعدة حتى من لا يحبهم. فالمطر المتأخر يعلم مشاركة الري والرعي لأن مياه السماء تروي البر والفاجر.
إن من فوائد المطر المتأخر أنه يأتي كمفاجأة بعيد فقدان الأمل، لكنه مفاجأة بفرحة وبغزارة وببركة، فيبقى لفترات، فقطرات المطر المتأخر هي بمثابة عوض عن جفاف الأرض والنفوس وعوض عن الأحلام والأمنيات وعوض عن الخيبات، كما أنها عوض عن نظرات الخذلان والشماتة والتشفي.
فوابل المطر السريع يجمع حولك المستغلين والمستفيدين، فيما المطر المتأخر، فيأتي عقب الفتن، فيحصد صاحبه الغلال، بعيد أن يكون حصد أيضا أسماء المنافقين.
-لا تخش جفاف أيامك، وثق انها ستمطر عليك يومًا، وستغاث بماء طهور لا كالمهل يشوي الوجوه، وسترطب عليك الحياة بنعم جليلة ولو تأخر موعد هطول أمطارك، فثق في تقديرات رب العالمين وتأكد أن موعد مطرك سيعينك على كشف نفسك وكشف من حولك. فلا شيء يسفر عن حقيقة المحبين أو زيفهم سوى السنوات السبع العجاف، يوم تدخل على معارفك بدون هدايا أو مصلحة منتظرة. ساعتئذ، ثق أن رب العالمين ينبهك أنهم كانوا يحتفون بهداياك وعطاياك لا بك.
ساعة أن يسألوك ألم يساعدك فلان؟ فتتيقن أنهم باتوا يتقاذفون مسؤوليات واجبهم في دعمك، فافهم أن الله يريد أن يكشف لك من يسعى بصدق لمساندتك ومن كان لا هم له سوى التكسب من علاقته بك.
يوم أن تذهب لصديقك أو قريبك الذي طالما أعطيته أو أقرضته، لكي تسترد حقك منه، فحينها، سيعلمك رب المطر والجفاف أن هناك من يفضل تصدع العلاقات أو أن تندمل بلاصق «معلش»، على أن يساعد برد الحقوق بأوراق نقدية.
مطرك المتأخر مقصود لتقييم من وقف بجانبك في الصحراء، أو من سيقول لك ولماذا لم يعطك فلان مظلته؟
مطرك المتأخر نعمة لغربلة محيطك لمن أراد الفهم.
فقط ثق أن كل شيء بميقات وأن الوهاب أكرم من أن يبخل علينا بنعمه، وإنما يغيثنا بالأمطار المتأخرة أو السريعة لحكمة سنعلمها بعد حين.
فالمواهب التي تفتقر لعراب يرعاها، كإرث عظيم يفتقر لوصي يحميه.
أما وإن مواهبنا والنعم كما إرثنا في يد رب العالمين. فثق في مواعيد غيث الله.. نعم المولى ونعم النصير.
كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
24/08/2019
2205