+ A
A -
التشريعات الجزائية الغربية تدلل المجرمين الجناة، تقوم الفلسفة العقابية الغربية على التعاطف مع المتهم الجاني بأكثر من المجني عليه، الضحية، تهتم بحقوق الجاني وتحرص على توفير كافة الضمانات القانونية له في التحقيق والمحاكمة العادلة وغيرها، وهذا لا غبار عليه، بل هو أمر مطلوب، ولكن ماذا عن حقوق المجني عليه، الضحية؟! تدليل المجرمين السفاحين والإرهابيين في التشريعات العقابية الغربية، سواء في تخفيف العقوبات أو في إجراءات التحقيق والاستجواب والمحاكمة أو في تنفيذ العقوبة في السجن، لها عدة صور ومظاهر، منها:

أولا: التدليل عبر إلغاء عقوبة الإعدام من التشريعات نهائيا: تصوروا سفاحا إرهابيا يفجر ويقتل، بل قد يبيد سكان بلدة ويرتكب مجازر بشعة ضد المدنيين، ماذا تكون عقوبته لدى القضاء الأوروبي؟!

إن أقصى عقوبة يحكمها القضاء بموجب التشريعات الغربية، هو السجن لمدد متفاوتة، يخرج منه بعد انقضاء نصف المدة لحسن السلوك! هل تصدقون أن السفّاح الصربي رادوفان كرادجيتش الذي تسبب بجرائم خلال الحرب في البوسنة وسقوط مائة ألف قتيل ونزوح أكثر من مليوني آخرين، وبعد أن ثبتت عليه المحكمة الجنائية الدولية، إحدى عشرة تهمة بارتكاب جرائم إبادة ضد الإنسانية، حكمت عليه، فقط، بالسجن أربعين عاما! وإذا كان هذا السفّاح قد عاش متواريا أكثر من ثلاثة عشر عاما، واستغرقت محاكمته ثماني سنوات تخصم من عقوبته، وهو اليوم في السبعين،، فماذا بقي له في السجن؟! وهو سجن من خمسة نجوم!!! إليكم مثالا آخر على تدليل التشريعات الغربية للإرهابيين، هل تذكرون السفّاح الإرهابي النرويجي الأشقر، ذي العينين الخضراوين، والذي قام بمجزرة رهيبة راح ضحيتها أكثر من سبعة وسبعين شابا نرويجياً، حصدهم بدم بارد، وافتخر علنا بأنه قام بفعلته انتقاما من حكومته، لأنها، في زعمه، متساهلة مع هجرة المسلمين.. هل تذكرون ما عقوبته؟!

السجن لمدة إحدى وعشرين سنة في سجن ذي خمسة نجوم، هو جناح من ثلاث غرف، به آلة ركض، وثلاجة، وتليفزيون مع مشغل أقراص دي في دي، وجهاز ألعاب سوني بلاي ستيشن!! وسيخرج بعد نصف المدة، هكذا تدلل التشريعات الغربية السفاحين!

ثانيا: التدليل في المعاملة في السجن المرفه: مؤخراً تناقلت الأنباء أن السفّاح النرويجي بريفك الذي يعيش في سجنه المتوافر فيه كل وسائل الترفيه والتسلية، قد كسب دعوى قضائية ضد سلطات بلاده، لأنه شكا من العزلة! قالت القاضية: إن الحكومة انتهكت حقوقه الإنسانية.. كيف؟! لأن عزلته الطويلة تشكل تهديدا على صحته العقلية، وأمرت الحكومة بتخفيف حدة العزلة! صدق أحد النرويجيين مغردا: يا له من حكم بائس! يقتل ثمانية أشخاص بقنبلة ويفتح النار ويقتل تسعة وستين وآخرين جرحى ثم يشتكي من العزلة فيجاب! إذا لم يكن هذا تدليلا فماذا يكون؟! من رأى صورة بريفيك يلبس بدلة في غاية الأناقة خلال مثوله أمام المحكمة الأسبوع الماضي وهو يشع صحة وحيوية، لا يصدق أن هذا السفّاح كان مسجونا بل يعتقد أنه قادم من منتجع سياحي صحي!

ثالثا: التدليل خلال مرحلة التحقيق والاستجواب: بعد أن اعتقلت قوات الأمن البلجيكية، صلاح عبدالسلام، العقل المدبر والمسؤول الرئيس عن الخدمات اللوجستية لخلية داعش الإرهابية في بروكسل، أودعوه أحد السجون العادية، ولم يوجهوا له خلال فترة الأربع والعشرين الأولى لوجوده، أي سؤال، وقضى ليلة الجمعة في المستشفى لمعالجة جرح ساقه، وعندما عاد إلى مركز الشرطة، السبت، لم يستجوب إلا لساعتين، وتركوه حتى نفذت خلية داعش هجومها الإرهابي في بروكسل وأودت بخمسة وثلاثين شخصا، أي أنهم تركوه أربعة أيام، ولو كان هناك استجواب من الوزن الثقيل، لأمكن تفادي هذا الهجوم بحسب رأي الخبراء الأمنيين، وعندما سئل أحد الضباط الكبار المسؤولين: لماذا لم تستنطقوه خلال هذه الأيام الأربعة إلا لساعتين، كان جوابه المدهش: لقد كان متعبا!! يا سلام على الإنسانية الرفيعة!! فماذا يعني أنه متعب؟! كل خبراء الاستجواب يقولون لك: إن فترة الإجهاد والتعب تمثل الوقت الأكثر ملاءمة لاستنطاق الإرهابيين، كما يقول المحلل السياسي مارك ثييسين.



بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري

copy short url   نسخ
02/05/2016
1345