+ A
A -
لا يكاد يوجد مكان على كوكب الأرض إلا وقصده سوري ما واستقر فيه أثناء التغريبة السورية التي بدأت قبل ثماني سنوات ولم تنته حتى الآن، تفرقت العائلات السورية في أنحاء الأرض، صار من النادر جدا أن تجد عائلة سورية ما يعيش أفرادها في مكان واحد، أمر كهذا أصبح من أحلام السوريين صعبة التحقق، طبعا هذا في حال أن العائلة هذه لم يفقدها الموت فردا أو اثنين أو أكثر خلال تلك السنوات، هذا التشتت وما يصاحبه من قهر وحزن يظهر في موسم الأعياد، حيث اعتاد السوريون على أن يكون للعيد طقوسه العائلية والاجتماعية، ككل الشعوب التي تعيش في أوطانها ومجتمعاتها، لمة العائلة صباح العيد كانت إحدى أجمل الطقوس السورية، لمة العائلة مع رائحة كعك العيد والمعمول، ثم الغداء الذي يجب أن يحوي إحدى طبخات اللبن الزبادي، التي يشتهر السوريون بها، لتكون بمثابة الفأل الأبيض لقادم الأيام، حيث لم يكن يخطر في بال السوريين يوما أن مائدتهم تلك سوف تصبح حطاما، وأن اللبن الأبيض الذي يتفاءلون به سوف يصبح دما أحمر، يسيل عن الموائد المحطمة حتى ليشربه التراب وتنبت المقابر، المقابر التي لم يعد يوجد من يزورها صبيحة العيد، لم تعد رائحة الريحان التي يضعها السوريون على قبور أحبتهم صباح العيد تنتشر في الأرجاء، مات الريحان واختفى، كما مات حاملوه أو اختفوا من تلك الأرض، أحدهم استبدل الريحان بالبارود والكيماوي والنار، وانتشرت رائحة الحزن والقهر والذل والخوف، وبدل اللون الأخضر الذي تبدأ به صباحات العيد، احتل الأسود كل الأمكنة، الأسود الرمادي، لون الحرب ولون الوجع ولون القهر ولون الفقد والتشتت والغياب.
هذا التشتت في أنحاء الأرض يظهر واضحا في موسم الأعياد، حيث تصبح صفحات التواصل الاجتماعي مكانا لتجتمع فيه العائلات السورية المنتشرة في العالم، تبدأ التهاني والمباركات الصباحية على صفحات الفيسبوك، ثم الترحم على الراحلين على نفس الصفحات، ثم التمنيات بأن يجتمع الجميع في سوريا في العيد القادم بعد أن يتمنى الجميع أن يحل السلام في سوريا، وقد يجتمع أفراد العائلة كلها في لحظة واحدة صوت وصورة مستخدمين إحدى وسائل الاتصال، الفايبر أو الواتس آب أو الماسينجر، أو أية وسيلة أخرى من الوسائل التي أصبحت من ضرورات الحياة اليومية، حتى أنها بالنسبة لكثيرين صارت أكثر أهمية من أي شيء آخر، إذ بدون وجودها يبدو وكأن أحدنا انقطع عن الحياة تماما.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
20/08/2019
2066