+ A
A -
من الصعب أن أحدد بدء العلاقة التي تجمع بيني وبين عُمان، فهذا سؤال طارئ في الأصل لكل أهل ساحل الخليج العربي، فالامتزاج القومي بين الشعب العربي في الخليج قديم، ولم يبدأ بتشكل الدولة القطرية الحديثة بعد الانتداب البريطاني، فهي رحلة شعب عربي في ضفاف الخليج، ضمن أمة عربية عريقة أكرمها الله بالرسالة الإسلامية، فالتواصل الاجتماعي المكثف تاريخه هو تاريخ وجود هذا الإنسان.
غير أن محطتين شكلتا لي قرباً أكثر من عُمان وأهلها الأولى: بحثي عن (بني عقيل وسلطنة الجبور) في الأحساء (القبيلة والدولة)، توقفت فيها عند الشراكة الحيوية في مقاومة الاستعمار البرتغالي بين عُمان والأحساء، وتداخل الشأن السياسي في داخل الدولة ذاتها بين الدولتين، وخاصة موقف الجبريين من دعم الإمام العماني الخروصي في مواجهة النبهانيين، والتي بحسب مراجعاتي، خلافا لرأي بعض الزملاء الباحثين، قد تكون قامت على فكرة مصالح، لكن الوثائق تشير إلى أن الأهم كان قلق بني جبر من تغول الغرب في الخليج العربي، فمرجع الأمر في تقديري يعود إلى الميزان القومي للفكرة الإسلامية لعرب الخليج في حينها، وخطورة معركة الاختراق البرتغالي، والتي وجدت ثغرات كبرى بالتعاون مع هرمز في جسم الصراعات الخليجي منذ الغزو الصليبي 1506م.
أما الثانية، فهي اهتمامي كمراقب بالسياسة العمانية الحذرة من أي تداعيات كبرى على مستقبلها في المنطقة، وتاريخ استقرار السلطنة المدني منذ حَسْم السلطان قابوس، ثم احتوائه للقوى الاجتماعية العريقة ضمن السلطنة، وأحسب أن أقوى عامل لتطور عمان ونهضتها هو الوحدة الداخلية والسلام الاجتماعي المرصود بوضوح، وأهمية المشروع الفكري الذي تنتظره الأجيال، وهو بكل تأكيد يحتاج إلى منظومة سياسية ومشاركة شعبية تعضد انتقال السلطة الدستوري الذي اعتمده السلطان.
ومؤخراً، لفت نظري انطلاق حوار في «تويتر» بين تيار التنوير الإسلامي المستقل وبعض الشخصيات الشرعية التي تحدثت باسم مدرسة الإمام الخليلي، والفكر التنويري في عُمان له شقان: شق رسمي، وشق ثقافي مستقل يبرز فيه أخي العزيز الخلوق المهذب المفكر النهضوي د. زكريا المحرّمي.
والبعد الرسمي له شراكة تأثير في السطح الاجتماعي الوطني، ونشر قيم الأخلاق والتواضع في عدة مسارات أهمها الخطب المنبرية، وفي تكريس التسامح الاجتماعي والسلوك الراقي للخطاب الديني في عمان، إضافة إلى جهود الوزير د. عبد الله السالمي مع الغرب في قضايا الحوار القيمي.
في الوقت ذاته، يعتبر الفكر التنويري الإسلامي المستقل، ضرورة للمجتمع العماني، فهواجس الأسئلة الحائرة والشكوك الوجودية وتوتر الوجدان الشبابي، وصلت عمان كما غيرها، نعم هناك برتوكول تفاهم رسمي شعبي وأجواء انفتاح جيدة، وبالمجمل لا ترغب الدولة في إذكاء صراع اجتماعي ديني، لأن هذا الصراع خطير جداً على السلطنة، ويكفي فيه مآلات الحالة السعودية، لفهم مصير تدخل المؤسسة الأمنية في إدارة الخطاب الديني.
لكن في نهاية الأمر أسئلة الفلسفة والوجود قائمة، والأصل ألا يُقهر الشباب بردٍ قاسٍ ولا عسفٍ عنيف، وإنما يتاح لهم عرض مفاهيم النهضة والحرية في الفلسفة الإسلامية، مع حق المجتمع ضبط مسارات الجدل النقدي وتنظيمه، ويبقى للشاب حرية تحديد مساره الفكري أياً كان، مع أهمية احترام مجتمعه المتدين وشراكته الوطنية معه، وهو عنصر استقرار بل قاعدة تنمية، تحتاج روح حوار ومنصات فكر تنظمها.
أما الإمام الخليلي خلافا لرأي بعض محبيه حين يُطرح السؤال: هل الإمام له بعده وشراكته في فكر النهضة؟ فأقول نعم، وهذا لا يعني ألا تكون للعلامة الخليلي تحفظات كبرى كبعض علماء مدارس الفقه الأخرى على التنوير الإسلامي، لكنني أحدد دور العلامة الخليلي في أكثر من مسار نهضوي، وأهمها محاصرة الفتنة والحروب المذهبية الاجتماعية، وشراكته في وأدها داخل وخارج الخليج العربي، ومساهمته في إطلاق المعتقلين السياسيين داخل عمان وخارجها، وحسبك من ذلك قواعد للنهضة، إذ أن النهضة لا تؤسّس على دُور الخراب ولا دعوات الحرب التي يطفئها الله بأمثاله.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
04/08/2019
3372