+ A
A -
الحياة عطية الخالق تعالى، وهي أعظم نعمه علينا، ولذلك فالإنسان يولد محباً للحياة، ومقبلاً عليها، لكن عوامل مجتمعية داخلية تجعل من هذا المخلوق كائناً عدوانياً يفضل الموت على الحياة: ما الذي جعل هؤلاء الشباب الذين تربوا بين أحضاننا، ورضعوا من ثقافتنا، وتعلموا في رحاب مدارسنا ومنابرنا، ما الذي جعلهم ينقلبون علينا، وحوشاً ضارية، وأدوات للقتل، وقنابل مدمرة؟! لم تكن مجتمعاتنا بهذا العنف، لقد عاش الآباء والأجداد بمصالحة مع الذات، ومع الآخر، وتعاملوا مع شعوب الأرض من دون عقد ووساوس مرضية، فما الذي حصل لمجتمعاتنا؟ ولماذا أصبح بعض شبابنا عدوانياً، ناقما، على الحياة والأحياء؟ وما الذي دفع الشباب المسلم في الغرب للتفجير؟!

إنه خطاب الكراهية، كراهية الآخر المتفوق، كراهية الحضارة الغربية، لقد كنا أصحاب الحضارة التي كانت منارة هادية لجميع الشعوب وبخاصة الأوروبية، وتخلفنا وتقدموا وتفوقوا وسادوا، بعد أن كنا أصحاب السيادة والأستاذية، أبناء خطاب الكراهية، هم تلاميذ أوفياء لخطاب ديني وثقافي وإعلامي، مشحون بكم هائل من الكراهية للحضارة السائدة وقيمها ونظمها ومفاهيمها، وهو خطاب أيديولوجي تم بثه وترسيخه في البنية المجتمعية على امتداد 6 عقود، ساهم في إنتاجه 3 تيارات أيديولوجية رئيسية: القومي، الديني، اليساري، عبر منابر تربوية وتعليمية ودينية وإعلامية وسياسية، كان الهدف الرئيس لهذا الخطاب المشحون: الحط من حضارة الغرب، والترويح لعدوانيتها وماديتها وإباحيتها، ظناً أن ذلك، يحمي الناشئة، ويقوي حصانتهم ومناعتهم الدينية والثقافية أمام الغزو الفكري الغربي الذي يستهدف هويتنا ويسعى لتمزيق أمتنا ويريد إفساد نسائنا! وثبت، اليوم، بعد أن انقلب بعض شبابنا في مجتمعاتنا وفي المجتمعات الغربية، ناقمين، غاضبين، مفجرين، أن كل ذلك وهم كبير ندفع ثمنه الآن، إنها عقود من الأوهام زرعت الكراهية في نفوس شبابنا، وصنعت عدواً، نحن عالة عليه، في كل مقومات حياتنا، ترى ماذا نفعل إذا سقطت الحضارة الغربية، طبقاً لخليل حيدر؟! إنه يد الماضي التي تشد أعناق بعض شبابنا إلى الوراء إنه عبء الماضي الذي يثقل نفوسهم ويشل عقلهم، إنهم يرفضون الحاضر لا تطلعاً إلى مستقبل أفضل، كما يفعل شباب العالم، بل شوقاً إلى أحلام طوباوية ماضوية، قيل لهم إنها كانت زاهرة وتحكم الدنيا ولها السيادة العالمية، 6 عقود من التجريف الأيديولوجي لعقول الناشئة، طبقاً لأحد ألمع التربويين القوميين العرب، عبدالله عبدالدايم: إن التربية العربية كانت عملية منظمة لاغتيال العقول والنفوس وتعبئتها بأفكار وقيم تتجه إلى تقديس الماضي تقديساً صنمياً أقام حاجزاً منيعاً بين تجربة الأمة العربية الإسلامية الماضية وتجارب الأمم الأخرى- لقد تجاهل الخطاب الأيديولوجي القومي والديني واليساري، أن كل الكوارث الوطنية في حقبة ما بعد الاستقلال، أبطالها قوميون وماركسيون وإسلاميون، طبقاً لخالد الحروب، وأن الغرب كان له الدور الأكبر في حماية الشعوب العربية من تسلط أبناء جلدتها، طبقا للسياسي اليمني محمد قحطان.

خطاب الكراهية، خطاب استعلائي تعصبي، يحتكر الصواب المطلق والدين والمذهب والوطنية، يتغذى بأوهام الغزو الفكري والعولمة والتآمر العالمي والحقد الصليبي، وهو خطاب تعبوي حشدي غاضب ومتشنج، لا يتسامح مع مفكر أو مثقف أو كاتب خالف الرأي السائد، ذو نزعة اتهامية، يمجد المآثر التاريخية والانتصارات والرموز والأبطال، لكنه يسكت عن الحروب والمجازر التاريخية الدامية وسفك دماء الأبرياء على أيدي المسلمين أنفسهم، يضخم سلبيات وإساءات الغرب إلينا، بهدف شحن الجماهير ضده، يصور العالم مؤامرة علينا، يشوه الحضارة المعاصرة عبر التركيز على مفردات: الإباحية، المادية، الصليبية، الهيمنة، الكيل بمكيالين، الأمة المستهدفة، الغزو الغربي الخ لكنه يتجاهل إيجابيات الغرب، هذا الشحن الأيديولوجي غير المتوازن، هو الذي زرع التوتر في نفوس بعض أبنائنا، وحولهم في النهاية إلى مفجرين.

ختاماً: الكراهية، خطاب يثير الجانب الغرائزي والانتماءات الأولية: القبلية والطائفية والمذهبية والقومية الضيقة، وقد أنتج مجازر رهيبة راح ضحيتها الآلاف من البشر وأهدر الثروات والطاقات الهائلة، علينا تجاوزه إلى خطاب متصالح مع الذات ومع الآخر.



بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري

copy short url   نسخ
11/04/2016
1489