+ A
A -
من كان يتصور أن يتحول هذا الشاب الأميركي المسلم من أصل أفغاني إلى سفاح إرهابي، يقوم بأكبر مذبحة جماعية في تاريخ الولايات المتحدة؟! إنه لا يشكو ظلما أو قهرا، ولا يعاني بطالة أو فقرا، وليس محبطا أو مكتئبا، يعيش في أسرة ميسورة، محاط بالرعاية العائلية، فلماذا ينقلب إلى كائن عدواني ناقم على البشر؟! ما الذي فعله هؤلاء الضحايا الأبرياء حتى ينتقم منهم ويسقط منهم 50 قتلى و53 جرحى؟ كيف تمكن الفكر الإرهابي من هذا الشاب، فجنده لمخططاته الإجرامية؟ تساؤلات كثيرة مطروحة، ولا تكاد تجد إجابات شافية.
تأتي هذه المجزرة في سياق سلسلة حوادث إرهابية ضربت الولايات المتحدة في عقر دارها، بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 منها: مجزرة فيرجينيا 2007، مجزرة قاعدة فورت هود بتكساس 2009، مجزرة ساندي هوك بكونيتيكت 2012، ماراثون بوسطن الإرهابية 2013، مجزرة سان برناردينو بكاليفورنيا 2015، وقبلها الحوادث الإرهابية التي ضربت العواصم الأوروبية، وعلى أيدي أبنائها الذين تربوا في أحضانها وتعلموا في مدارسها... ما دلالات هذه العمليات الإرهابية؟ وما هي تداعياتها السياسية؟
أولا: تأتي هذه الحوادث الإرهابية لتؤكد، وعلى خلاف كافة التحليلات الغربية، أن الإرهاب لا علاقة له بفقر أو غنى أو بطالة أو أوضاع طبقية، طبقا للمفهوم الماركسي، أو حرمان اقتصادي، طبقا للمفهوم الغربي، فكل القتلة أبطال هذه المسلسلات الإرهابية، أشخاص ميسورو الحال، يشغلون وظائف ومهن جيدة، لا يشكون بطالة أو حرمانا أو ضائقة مالية، متعلمون.
ثانيا: تأتي هذه المجازر الإرهابية الجماعية، لتؤكد - أيضا- أن الإرهاب لا علاقة له بتفسيرات غربية، تزعم أن الإرهاب في مجتمعاتنا، وليد ظلم الأنظمة العربية وقهرها وقمعها لشعوبها، أو بسبب التضييق على الحريات، وغياب الديمقراطية الخ.. تأتي هذه الأعمال الإرهابية سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا، في أرقى وأعرق أمهات الديمقراطيات، لتنسف مزاعم وأوهام، لطالما رددها محللون غربيون وعرب، من أن أجواء الحريات والمناخ الديمقراطي، كفيلة بحماية المجتمعات من الإرهاب، بل ثبت اليوم أن الإرهابيين استطاعوا أن يستغلوا هذه الأجواء بكل سهولة، ونفذوا عملياتهم العدوانية، في معظم العواصم الغربية، وتنقلوا في المدن الغربية والأميركية منها وإليها، قادمين من مواطن الإرهاب.
ثالثا: تأتي هذه العمليات الإرهابية، تباعا، لتكشف قصور وضعف الإجراءات الأمنية الغربية وكذلك الأميركية، من ناحية، وعدم ملاءمة التشريعات الجزائية الغربية الحالية لمواجهة التحديات الإرهابية، من ناحية أخرى، لأنها مبنية على فلسفة عقابية تتعاطف مع القاتل الجاني بأكثر من الضحية المجني عليها، لدرجة تدليل المجرمين كما ذكرت في مقال سابق، فهي لم تكتف بإلغاء عقوبة الإعدام، بل تضع عتاة السفاحين في سجن 5 نجوم، يملأ أحدهم الدنيا قتلا وتدميراً، ثم يحكم عليه بالسجن لمدة معينة وقد يخرج بعد فترة لحسن السير والسلوك، ولا أدل على عدم واقعية التشريعات الغربية من أن سفّاح أوسلو الذي قتل 77 شابا نرويجياً بدم بارد، اشتكى من العزلة رغم أنه يعيش في سجن به كل وسائل الترفيه، وكسب القضية!
أما قصور وفشل الإجراءات الأمنية، فيكفي أن كل هؤلاء القتلة، أصحاب سوابق، خضعوا لتحقيقات متعددة، وأدرجوا في القوائم الإرهابية، واحتجزوا لفترات قصيرة، بسبب أنشطة أو صلات إرهابية، ثم أطلق سراحهم، إما لعدم كفاية الأدلة أو لخطأ في الإجراءات القانونية، لتكتشف السلطات أن عددا منهم وراء الهجمات الإرهابية، بل أن بعضهم كانوا تحت الرقابة الأمنية، وتمكنوا من تنفيذ أهدافهم الإرهابية! يأتي إخفاق هذه الأجهزة، من أنها تتعامل مع الإرهابيين بنفس منطق وإجراءات المتهمين العاديين، وتغالي في اعتبارات الحقوق الفردية على حساب الاعتبارات الأمنية المجتمعية.
ماذا عن التداعيات؟
ستكون لمذبحة أورلاندو، تداعيات كثيرة على الانتخابات الرئاسية، قد تخدم المرشح الجمهوري ترامب وتعزز موقعه السياسي وحظوظه الانتخابية، وكأنها هدية السماء، ليقول: كنت محقا في موقفي من الإرهاب الأصولي الإسلامي.
أخيرا: المتطرفون، هنا وهناك، يخدمون، بعضهم بعضا، وهم قد لا يشعرون.

بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
20/06/2016
2167