+ A
A -
الحرب التجارية التي تشنها أميركا ضد الصين سيكون لها آثار سلبية كبيرة على الصين بسبب امتلاك أميركا القدرة على إجبار العديد من الدول والشركات على التزام مقاطعة الشركات التكنولوجية الصينية مثل هواوي وحرمانها من الأسواق الخارجية، لكن الصحيح أيضا أن أميركا ستعاني من النتائج السلبية لهذه الحرب، لأن الصين تملك أيضا قدرات كبيرة، وهي ترد بالمثل على الإجراءات الأميركية برفع الرسوم على سلع أميركية حيوية، زراعية أو تكنولوجية، وهي ردت على الإجراءات الأميركية ضد شركة هواوي العملاقة، التي ألغت جميع الاجتماعات المقررة مع الأميركيين لمناقشة قضايا التكنولوجيا، واتخذت إجراءات ضد شركة أبل الأميركية التي تشكل السوق الصينية 20 بالمائة من أرباحها، وتقدمت هواوي على الطلب من موظفيها الأميركيين العاملين في مقرها في الصين العودة إلى بلادهم..كما أن الصين امتنعت أخيرا عن الاكتتاب بسندات الدين الأميركية، حيث تعتبر أكبر مكتتب فيها، وبلغت استثماراتها في هذه السندات حتى 2016 نحو 1.120 تريليون دولار ما يشكل 17.7 بالمائة من قيمة سندات الدين الأميركية التي تملكها حكومات أجنبية، حيث يناهز الدين الأميركي الخارجي الـ 22 تريليون دولار ما يجعل أميركا تحتل المرتبة الأولى عالميا بين الدول المرتهنة للدين الخارجي، وبدأت الصين تدريجيا بيع جزء من سندات دينها في سياق الرد على السياسة الأميركية العدائية ضدها.. وإذا ما زادت الصين من بيع سنداتها فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى هزة في الأسواق العالمية إذ سيضعف الارتفاع الكبير في معروض هذه السندات قيمتها إلى حد كبير، حسب بي بي سي موندو، وهذا سيجعل اقتراض المال باهظا للشركات الأميركية والمستهلكين ما يؤدي إلى أن يشهد الاقتصاد الأميركي تباطؤا شديدا، فكيف إذا ما قررت الصين سحب استثماراتها من أميركا؟.. يؤشر ذلك إلى أن الحرب التجارية ستكون انعكاساتها سلبية على البلدين، وكذلك على الاقتصاد العالمي، لأنها ستؤدي إلى التأثير على معدلات النمو الاقتصادي في كلا البلدين، وان كانت الصين، الذي يبلغ معدل نمو اقتصادها حاليا 6.7 بالمائة، قادرة على تحمل أي خسائر واستيعابها، فهي من ناحية تملك القدرة على تنشيط حركة الاقتصاد في سوقها الكبيرة عبر ضخ كميات من المال، من احتياطها الضخم البالغ 3 تريليونات دولار، وتملك فرص التوسع في اقتصادها عالميا، ومن خلال إحياء مشروع الحزام الطريق، أي طريق الحرير، والذي يشق طريقه بشكل مستمر، وهو ما أزعج أميركا وأقلقها.. ولهذا يقول الخبير الاقتصادي الأميركي والحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتز «إن الصين تمتلك أدوات وموارد تساعدها في امتصاص أثر أي حرب تجارية. فبكين تجلس على ثلاثة تريليونات دولار من الاحتياط النقدي».. وطبعا أميركا، بالمقابل، غارقة في دين تجاوز الـ 22 تريليون دولار.. من هنا فإن من يعتقد أن أميركا قادرة على إضعاف الصين فهو واهم، فأميركا أعجز من أن توقف تقدم الصين واتجاه العالم نحو التعددية على المستويات كافة.. خصوصا أن مركز الثقل في الاقتصاد العالمي بدأ ينتقل من الغرب إلى الشرق.. والأسواق الواعدة، استثمارا واستهلاكا، تقع في الشرق الصاعد اقتصاديا، ويملك العدد الأكبر من السكان، ويحوز على ثروات هائلة، ولهذا تتسابق الشركات العالمية على الاستثمار في الصين والهند وروسيا، وغيرها من الدول الصاعدة.. ومع ذلك فإن كلا من الصين وأمريكا لهما مصلحة في الوصول إلى تسوية تضع حدا لهذه الحرب التجارية التي لن يكون فيها رابح، ويبدو أن هذه التسوية تنتظر توافر شروطها وتقديم التنازلات المتبادلة.
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
10/06/2019
1950