+ A
A -
في الاجتماع الحواري، الذي دُعيت له لتأسيس فرع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، في مدينة الخبر، منذ سنوات عديدة وقبل المهجر، كان يرأس هذا الحوار الأمين العام للمركز والمستشار في الديوان الملكي، أ. فيصل بن معمر، كانت إحدى المداخلات التي تضايق منها، هو تأكيدي على أن نشر قيم الحوار، ومفهوم التضامن الاجتماعي، لا يمكن أن يستثني إسلاميي الصحوة، بل قلت أن ذات رموزهم ينبغي أن يستوعبوا.
لم يرق هذا الحديث في حينه، لبعض المسؤولين في الديوان الملكي، غير أن أحاديثي التي دارت في أكثر من مجلس حواري رسمي وشعبي، هي أن هذا التيار، واستقطابه للمجتمعات الشعبية وللشباب على وجه الخصوص، في نهاية الأمر، كان ضمن مشروع الدولة.
ومفاهيم الصحوة فيها ما كان ينتمي، إلى مفهوم صحوة الشرق الإسلامي الكبير، لوعي حضارة أمته، وهو ما عناه د. غازي القصيبي، في مقطع الفيديو المنتشر، وفيه أيضاً مساحة كبيرة من الصحوة السعودية، التي كانت تُطلق على الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد الراحل مصطلح أسد السُنة، ولسنا هنا في معرض تحليل الظاهرة وتفصيل نقدها، وإنما في موقف النظام الجديد منها.
وقد نُشرت الصحوة السعودية، وأزاحت صحوة الشرق واخترقت الإخوان المسلمين في ذلك الزمن، بمشروع مركزي مدعوم من الدولة السعودية، لعب الصراع بعد ذلك بين الديوان الملكي، في عهد الملك عبد الله، والقوة العميقة للداخلية السعودية، دوراً كبيراً في التوتر.
إن هذا الفكر تداخل مع أكثر من مسار، أوله روح تدين لدى الشعب انتشرت دون عمق فكري، وهو هنا أمرٌ طبيعي تبعاً للوجدان الروحي المؤمن، وأما المسار الآخر فكان توظيفاً مسيساً مدعوما من أركان الدولة نفسها، لقد أثبتت جلسات الحوار في حينه، أن هناك إمكانية لتصحيح فكرة التدين عند التيار الصحوي، وبدأت بالفعل هذه الأوساط الدينية تنفتح على ثقافة الحوار، والانتقال لمفاهيم الدولة الحديثة والترابط الاجتماعي والقيم، لكن من قطع الطريق على هذا الوعي، هو منظومة الحكم نفسها لسببين.
الأول: هو أن تيار الأمير نايف وأشقائه، كانوا يتبنون بقوة، وقف أي انفتاح حقوقي، وأي متنفس بين الشعب والعهد الجديد للملك عبد الله، ويستخدمون فكر الصحوة لمواجهته، بمعنى أن ثقافة أولئك الشباب وما يسمى اليوم تطرفا، كانت مصادرها الدولة نفسها، وعلى العكس من ذلك، كان بعض شباب الصحوة يحاولون الانفتاح على مصادر العالم السني (المرتد)، بحسب الوثائق الدينية السعودية، وعلى مصادر النقد للفكر الصحوي، لكن محاولات التنوير كانت تُطارد من لعبة الدولة نفسها.
أما الثاني فمن محيط الملك عبد الله نفسه، حيث شعر هذا المحيط أن الباب الثقافي المفتوح، سيزيد الوعي ويُهيئ لمطالبات بالإصلاح، وبمشاركة شعبية يتبناها الشباب، فأُقفلت الأبواب خاصة مع بدأ حركة الربيع العربي، واستغل تفويج الداخلية لإسلاميي الصحوة، لدفع الملك عبد الله لقرارات تصعيد ضد الإسلاميين.
يُمثل هؤلاء الشباب في الميزان الآخر، حركة تلاحم اجتماعي ووجداني، وعمل تربوي يملأ فراغاً كبيرا، يسعى لجمع النشء تحت تربية حسنة، وتفوق تعليمي، ودعم اجتماعي في ظل ظروف صعبة، مادية أو ثقافية.
ووجود نقصٍ في وعيهم الفكري، لم يكن يغير من سيرتهم الأخلاقية، وإن اُخترقت حصونهم من بعض الانتهازيين والسوقة والمرتزقة باسم الوعظ والتربية، وكان بالإمكان ان تصحح مسيرتهم، وهو ما كان الشيخ العودة يقوم به، وساهم خطابه في نقلة كبيرة لتضامن وطني، وتصحيح الخطاب الإسلامي السعودي.
اليوم يُخنق هؤلاء الشباب، ويُهدد شيوخهم بمصير مجهول وتحقن السعودية، عبر وعاظ ومثقفين وظفوا لهذه المهمة، بأن هؤلاء الشباب يجب أن يحاربوا ويحاصروا وتعظّم على مآذنهم كل نزعة إلحادٍ وشذوذ، بغض النظر عن مشروعية الحوار الفكري بين الأطياف، لكن ما يجري هو محاولة تجريف لوجدان أولئك الشاب وقهرهم، وحملة عنف ضدهم، فمن المسؤول عن الانحراف الأول وعن الانفجار الكبير معهم؟.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
26/05/2019
2671