+ A
A -
أكثر مَن يَتأسَّف على صدمته في حياة لم تَرْقَ إلى أن تَكون في مستوى انتظاره، وتَطَلُّعِه، لا يَذكر أنه في وقت مبكر قد صرخ صرخة الخوف من الحياة منذ غادر فندقَ رَحِمِ أُمِّه حيث كان يُغريه المكانُ ذاك بتمديد الإقامة..
هل كانت تلك الصرخة مُعادِلا للإحساس بالهلع من السقوط في مجمر الآلام والأحزان؟!
هل كانت صرخته تلك تعبيرا عن وطأة رقصة الموت البطيء الذي اسْتَشْرَفَ هو تهديده له بحياة لا تُشَجِّع على الحياة؟!
هل كانت صرخته تعبيرا صارخا عن الرفض القاطع لمسطرة قانون الحياة؟!
أم هل هو جلباب الحياة الفضفاض الذي مافتئ يخبئ في جيبه حقنةَ الموت؟!
رغم كل الاجتهادات التي حاول مِن خلالها أهلُ الاختصاص تفسيرَ صرخة الطفل وبُكائه ما أن يُغادِرَ سريرَ رَحِمِ أُمِّه ويَثِبَ واقفا على سطح الحياة، فإننا يا صديقي قد لا نختلف في أن بكاءَ الطفل الخارج لِتَوِّه إلى زحام الحياة يمثل ترجمةً لرعشة الخوف..
إنه الخوف الذي يَنتفِض له قلب الإنسان ما أن يَشْرَئِبّ برأسه من نافذة صندوق الولادة الضَّيِّق، وكأنه (الطفل) يُلْهَمُ بِسِرٍّ خالد يُضْمِره القَدَرُ لهذا الكائن الضعيف المسَمَّى الإنسان..
بُكاء الطفل المسكين يُعلن ضربةً في الصميم بَطَلُها الحُزْنُ الذي يَحلف أن يَعقد قِرانَه مع الإنسان.. أمَا قُلنا إنه الإنسان! إنه الإنسان الذي لا يُصدِّق أن هناك بابا مُوصَدا قلَّما تَفتحه رياح القدر..
هو باب، لِنُسَمِّه بابَ السعادة، كلما انفتح البابُ قليلا أشرقَت الشمس في دواخلنا الباردة، وتَسَلَّلَ إلينا ضوءُ الرغبة في البقاء.. وكُلَّمَا تَعَذَّرَ فَتْحُ الباب تَمَّ الحُكم على طيور ألفَرح بالإبادة.. إنها طيور الفرح التي لا تَعِدُ بالرقص على حبل اليقين..
بين بُكاءين يَغيبُ حَظُّنا في السعادة.. وكُلُّ مَن أَوْهَم نفسَه بتَمام وضْعِ يَدِه على تاج السعادة لِيُصَدِّقْ يا صديقي أنه يَكذب على نفسِه..
في ضوء اشتعال البُكاء الأول، نُدْفَعُ دفعا إلى الخروج من حفرة الرَّحِم الواعدة برسالةِ سَلام تحت الماء.. وفي حُرقة البكاء الأخير تلك الْمُنْذِرة بانطفاء، انطفاء الروح، نُدْفَع دفعا إلى الرجوع إلى حفرة القبر الواعِد بضمَّة اللامُفارِق ليَكتمل رسمُ مَشهَد الشقاء..
وبين بُكاء وبُكاء ذيلٌ مِن المواجِع والغياب والرحيل والتعثر والسقوط والحرمان والفقدان والأشجان..
كُن يا صديقي متحمِّلا قسوةَ بحرِ الحياة، ولا تَحزَنْ على ما فات، وارْضَ بِما هو آت..
رَتِّبْ لِروحِكَ أوراقَ موعِد مع مَن سَتاتيه فردا، فما هي إلا مسافة خطوات وتَعود أنتَ أنتَ إلى العالَم المظلِم الذي يُخيَّل إليك أنك قد تَنجو منه..
حبلُ النجاة ما أقصاه!
نافِذَةُ الرُّوح:
-«ميزان الأيام مَنّاَع للسقوط في حفرة الغِشّ والخِداع».
-«الخِداع الأكثر عدالة لنفسك ما يَعِدُ به زمنُك بضربةِ مِطرقة».
-«مطرقة القانون ليست دائما مُنصِفةً لسندان تَخونُه الصرخةُ».
-«الصرخةُ التي لا يُخطئها ذَوْقُ صُنَّاع اللاَّسَلام بينها وبينك مسافةُ حِذاء».
-«حذاء الجُبن أكثر ما يَلبسه أبناء زمنك».
-«زمنك الذي أَقْسَم ألاَّ يُفارق قيدُه معصمَكَ يُمَزِّقُ منديلَ القلب».
-«القلب الذي يَلِيقُ بِكَ أن تَعْبُرَ قارَّتَه مَنْفِيّ في دائرةِ النسيان».
بقلم: سعاد درير
copy short url   نسخ
23/05/2019
2874