+ A
A -
رحل فجر الثامن عشر من مايو 2019 الجاري، عن دنيا الوجود الفانية، الفيلسوف والمفكر السوري المعروف «الطيب تيزيني» عن عُمرٍ يناهز الخامسة والثمانين عاماً، الرجل الذي استغرقته الفلسفة بشكلٍ كامل طوال حياته الأكاديمية في جامعة دمشق، وحلل السياسة وتفاصيلها، وتراكيبها، ودواخلها، انطلاقاً منها، وقد اتخذ مواقفه المعروفة من الأزمة السورية بناء على قراءته إياها، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تهميشه وانعزاله بعد بقائه في البلد، حين سارت الأمور نحو الاتجاهات الأكثر تعقيداً في مسارات المحنة السورية.
(الطيب تيزيني) اسمه «نار على علم» في جامعة دمشق وأروقتها، وتحديداً في كلية الآداب، قسم الدراسات الفلسفية والمجتمعية، وقد ذاع صيته بشكلٍ كبير، وفي العقدين الأخيرين، وخاصة إبان الفترة المعروفة بــ «ربيع دمشق» والتي امتدت منذ العام 2003 إلى العام 2005؛ حيث قدم مجموعة من المحاضرات في أكثر من مكان في سوريا، ووجه فيها انتقاداته للوضع القائم عموماً، وقدم أطروحاته الداعية للتغيير.
مواقف الطيب تيزيني، كانت تحمل الإشكاليات ذات البعد الفلسفي والتاريخي، طوال حياته الفكرية والسياسية، وفيها الجديد، بغض النظر عن الاختلاف أو التباين في بعض الأفكار والمقولات التي طرحها، والتي كان تاريخياً يُنظّر لها، خاصة منها ما يتعلق بالتاريخ العربي والإسلامي، ودعوته لإعادة قراءته، وطرحه لمشكلة التراث «ليس من باب إعادة إحيائه أو في العودة إليه» كما يقول، بل لإعادة قراءته وإنتاج المعرفة العلمية بهذا التراث الذي هو موضوع معرفة. وفي هذا طرح جديد يختلف جذرياً عن كل طرح سابق يرى في التراث نموذجًا يجب تقليده أو الاهتداء به أو استلهامه، أو يُفرض على الحاضر، باسم الأصالة والأمانة للذات، كما رفض النظر للتراث باعتباره عناصر ينتقي منها ما يخدم الحاضر، ويسقط منها ما لا يخدمه، فـ «يشوّه التراث والحاضر معاً» على حد تعبيره.
شارك الدكتور الطيب تيزيني في العمل السياسي في سوريا منذ بدايات شبابه، وقبل سفره خارج سوريا للتعليم الأكاديمي العالي، وقد عُرِفَ عنه ميله للاتجاهات اليسارية، فباتت جذوره تشده لاحقاً إلى السياسة فكراً وممارسة، في إطار بعض الأحزاب اليسارية السورية، والتي تربَّعَ فيها في موقع التنظير السياسي والفكري في إطار «الفكر السياسي العربي اليساري»، لكنه ما لبث أن انزوى عن تلك الأحزاب التي بات حضورها وتأثيرها بالشارع متواضعاً، وقد مزقتها الخلافات والتباينات الداخلية.
عُرِفَ عن الطيب تيزيني، مناهضته للعولمة (الكوكبة كما كان يقول)، وعمل باحثاً عن مشروع وطني في السياسة، إلى جانب انتقاده للفساد في البلد ودعوته للتحوّل، فبدا واضحاً اختلافه وافتراقه عن سياسات الدولة التي يعمل في مؤسساتها، وخاصة المؤسسة الجامعية (جامعة دمشق)، وقد طرح شعار الانتقال إلى الديموقراطية، فشارك في تظاهرات 2011 وهو الثمانيني.
رحل المفكر السوري الطيب تيزيني، الحمصي، العربي، المسيحي، وقد ترك عشرات المؤلفات القيمة التي أغنت المكتبة العربية، إضافة إلى الدراسات والمقالات التي نُشرت في مختلف الدوريات العربية، وبرحيله تكون سوريا قد خسرت رجلاً من أهم مفكريها ومثقفيها، بغض النظر عن التباين في العديد من أفكاره ورؤاه وأطروحاته.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
21/05/2019
2246