+ A
A -
منذ أيام حلت الذكرى الواحدة والسبعون لنكبة فلسطين والأمة العربية جمعاء، التي أدت إلى احتلال فلسطين من قبل عصابات المستعمرين الصهاينة، مدعومة من الاحتلال البريطاني والأنظمة الرجعية العربية التابعة له، والتي نفذت أوامره في تسهيل أكبر عملية سرقة وسطو على الأرض العربية الفلسطينية وتشريد أبناء الشعب العربي الفلسطيني..
موفرة بذلك الغطاء لتنفيذ وعد بلفور البريطاني بتمكين المجرمين الصهاينة من إعلان دولتهم الصهيونية وحصولها على اعتراف دولي، بما يتناقض بشكل صارخ وسافر مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهو ما أكد، من جهة، أن القوة القائمة على شريعة الغاب وقانون المستعمر هي التي سادت على حساب حقوق الشعوب والقوانين الدولية التي تصون وتحمي هذه الحقوق، وأكد من جهة ثانية أن الحقوق لا يمكن الحفاظ عليها أو استردادها إلا بقوة المقاومة الشعبية والمسلحة.. واليوم تجري محاولة لتمرير وفرض استكمال هذه السطو والاغتصاب لحقوق الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية في أرض فلسطين من خلال الترويج لوعد بلفور ثانٍ، لكن هذه المرة وعد أميركي لتصفية قضية فلسطين نهائياً، عبر إلغاء وشطب أي حق للشعب العربي الفلسطيني في أرضه، والعودة إليها وتطويبها كاملة للمستوطنين الصهاينة بزعم أنها حق لهم وبالتالي الاعتراف بالدولة اليهودية العنصرية التي تنفي وجود الشعب العربي الفلسطيني على ارضه وتعتبر حقه في النضال والمقاومة عملاً إرهابياً غير مشروع..
غير أنّ محاولة تمرير وعد بلفور الأميركي الجديد، المتسلّل عبر ما سمّي بصفقة القرن، لا يبدو أنّ الظروف متاحة للمخططين لفرضه، على غرار ما أتيحت الظروف عشية فرض وعد بلفور البريطاني.. فالوعد الأول، وانْ نجح في فرض قيام دولة الاحتلال والحصول على اعتراف دولي بها، إلا أنه فشل في إنهاء وجود الشعب الفلسطيني على أرضه، وأخفق في إخضاعه ومحو هويته الفلسطينية، كما أنه فشل أيضاً في القضاء على مقاومته، التي استمرت على مدى العقود السبعة الماضية دون توقف، وشهد بداية العقد السابع تطوّراً مهماً في هذه المقاومة، تجسّدت في إدخال الكيان الاحتلالي وحركته الصهيونية في أزمة عميقة مزدوجة.. أزمة وجود وفقدان الأمان والثقة بالمستقبل، وعدم القدرة على تحقيق الحلم الصهيوني في شطب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.. ما يجعل الظروف أمام محاولة فرض وعد بلفور الأميركي غير مواتية، بل إنها على النقيض تماماً مما تريده كلّ من تل أبيب وواشنطن..
فالكيان الصهيوني بعد واحد وسبعين عاماً، أصبح أمام ما يسمّيه هو خطر القنبلة الديموغرافية التي تتمثل في ازدياد أعداد الفلسطينيين المقيمين على أرض فلسطين التاريخية ليتجاوز عددهم عدد المستوطنين الصهاينة ما يشكل أكبر فشل لمخطط العدو الذي هدف إلى إفراغ فلسطين من سكانها الأصليين، وتغيير الوضع الديمغرافي لمصلحة جعل الصهاينة أغلبية كاسحة، وهذا العامل الديمغرافي يجعل كلّ المخططات الصهيونية لتهويد فلسطين ونفي وجود الشعب الفلسطيني مستحيلة، أما إعلان الدولة اليهودية فإنه يجعل منها دولة عنصرية تحكم شعباً وفق نظام التمييز العنصري على غرار ما كان سائداً في جنوب أفريقيا أيام نظام الفصل العنصري، الذي انهار وسقط بقوة مقاومة الشعب هناك، أما القبول بقيام دولة ديمقراطية، يتساوى فيها الفلسطينيون واليهود، فإنه يعني انتحار المشروع الصهيوني واضمحلاله عبر صناديق الاقتراع التي ستجعل الأغلبية العربية قادرة على الفوز في الانتخابات، وبالتالي ردّ الاعتبار لهوية فلسطين العربية، ولهذا فإنّ كيان العدو يرفض القبول بهذا الخيار الديمقراطي ويريد أن يؤدّي الحلّ النهائي إلى الانفصال عن الكتلة السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وجعلها مرتبطة بنوع من الحكم الفدرالي مع الأردن، لكن مع بقاء الأرض تحت السيادة الإسرائيلية.
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
18/05/2019
1675