+ A
A -
قد تكون قادرًا ماديًا على شراء الدواء، لكن قد لا تتواجد العبوة بجانبك، فتسهو عن تناوله فتخسر الاستفادة منه.. وقد تجد الوقت والذاكرة لتناول دواءك، لكن قد يكون الدواء نفسه يفتقد للمادة الفعالة، فتخسر مالك وصحتك. وقد يرزقك الله الزواج والوظيفة والشقة، لا بل البيت الوسيع والزوجة الصبورة كما قد يهبك البنين والبنات، لكن هيهات أن تدرك أنه منزوع منك المادة الفعالة للسعادة وهي القدرة على الإحساس بالنعم، فتعيش مهولًا لمشاكلك، فتنسى أن تسعد بما وهبت كونك لم تدرب نفسك على الاستمتاع بالموجود، فعينك مصوبة على المفقود.
قد يؤتيك الله الطعام والشراب فتبلع سريعًا، وتنسى المادة الفعالة لخطوة المضغ والتلذذ بطعم الفاكهة.
وقد يمن الله عليك بنعمة الصحة، لكن تنتزع منك المادة الفعالة وهي الهمة.
قد يهديك الله موقفًا قويًا حين يأتيك أحدهم مطأطأ، معتذرًا، فتتعاطي بالقصاص.. ليتك تذكرت المادة الفعالة للتسامح.
قد تنال أعلى الشهادات العملية، لكن تنزع منك المادة الفعالة للحكمة.
قد يجعلك المولى إنسانًا كريمًا خدومًا، لكن تُعدم مادة العرفان الفعالة.
قد يُرْزَق أحدهم المال، لكن يحرم المادة الفعالة وهي البركة.
قد تنفتح لك الأنوار لكن تنسى أن تطلب من رب العالمين المادة الفعالة للنور وهي الهداية.
قد تؤتى حدة بصر زرقاء اليمامة، لكنك لا تصوب نظرك سوى لكل نقص في يومك ولكل كسر في صحنك ولكل خدش في مركبتك ولكل قبح في حياتك.. ليتك تدعو لنفسك أن يرزقك الله المادة الفعالة للبصيرة وهي الرضى، فترضى بنواقصك لأنها ثمن بقاء باقي نعمك. كما عرقك هو ثمن أجرك، كذلك الصحو هو المادة الفعالة التي تلحق العواصف، والشكر هو المادة الفعالة التي تمحو البطر.
قد يمن الله عليك بذاكرة قوية، فحري بك ألا تسترجع مرارات الماضي، ولعلك تعي أن المادة الفعالة للذكرى هي العبرة من أخطاء الأمس.
سيرزقك الله دثارًا جديدة في العيد، فتذكر أن تطلب منه سبحانه المادة الفعالة للرداء وهي الستر.
وحين تجد الحبيب ليتك تسعى للتمسك بالمادة الفعالة للمحبة وهي الوفاء.
ويوم تتيقن أن المنعم قد منحك موهبة كبيرة، فحري بك أن تطلب منه المادة الفعالة للاستفادة من موهبتك وهي التوفيق.
وحينما يمن الله عليك بفتح باب الطاعات، فأنصحك بالبحث عن المادة الفعالة لقبول الطاعات وهي الخشوع والإخلاص.
وساعة تنفتح لك باب الصدقات، فتوسل لربك أن تجد مفتاح المادة الفعالة لهذا الباب وهو القبول.
وعند تغير الأحوال وساعة هبوب عواصف الحوادث الأليمة، فقد تنقصك ذراع أو تبتر قدم ولربما تعيش بكلية واحدة أو تصاب بثأثأة أو تفقد صفي أو تنفصل عن شريك، أو وقت أن تجد نفسك مقعدًا على كرسي مدولب أو لحظة أن يخطرك طبيبك أنك مصاب بورم سيفقدك شعرك وسيهدد حياتك.. ساعتئذ ثق أنه لا ينقصك سوى المادة الفعالة لنعمة الحياة وهي «التأقلم».
يوم تحتار من كونك قادرًا على توفير حياة مترفة لبنيك ومع هذا فأنت غير راضٍ عن سلوكياتهم، فتأكد أن أبناءك ينقُصُهُم المادة الفعالة للتربية وهي القدوة.
حين يؤكد لك القضاء أن معك كل الحق، ورغم هذا تشعر بضيق في صدرك، فسترتاح حين تجد المادة الفعالة للعدالة في الفضل.
حين تغتاظ من رفض ابنك لعروس حسناء، فلربما عجز عن أن يعبر لك أنه كان ينقصها المادة الفعالة للجمال وهي الجاذبية.
حين تجلس وحيدًا، فتشعر أن ألف ألف هم يصرخ في كيانك ويزعج خلوتك، فلا عليك سوى التضرع لربك أن يرزقك المادة الفعالة للوحدة، ألا وهي السكينة. حين تتكالب عليك أسهم الفشل، فأهٍ لو اهتديت لكون المادة الفعالة للفلاح تكمن في تحري الحلال.
كاتبة مصرية داليا الحديدي
copy short url   نسخ
11/05/2019
2661