+ A
A -
لولا اشتراط الدول المانحة وصندوق النقد والبنك الدولي، ربط إعطاء لبنان القروض بموجب مؤتمر سيدر، بقيام الحكومة اللبنانية بإجراءات تقشفية تخفض العجز في الموازنة بنسبة خمسة بالمائة على مدى خمس سنوات، أي بمقدار واحد بالمائة سنويا..
لما اهتمت الطبقة السياسية وتنبهت إلى أن الأزمة بلغت مستوى متقدما، ولما انكبت على البحث في ماهية الإجراءات التقشفية لخفض العجز.. لكن هل أن الإجراءات التقشفية تعتبر إصلاحا، وكافية لمعالجة الأزمة، أم أنها مجرد مسكنات لا تلامس الإصلاح ولا المعالجات الجدية لأسباب الأزمة؟. وبالتالي ما هو السبيل الفعلي لمواجهة الأزمة وتجنب تفاقمها؟..
من المعروف أن حجم الدين الداخلي والخارجي قد تجاوز عتبة الـ86 مليار دولار، وهو يرتب فوائد متزايدة وبالتالي عجزا كبيرا في الميزانية العامة يزيد منه العجز في مؤسسة الكهرباء البالغ سنويا 2 مليار دولار نتيجة عدم إقدام الحكومات المتعاقبة منذ عام 1992 على حل مشكلة تأمين التيار الكهربائي 24 على 24 عبر بناء معامل صالحة فعليا لإنتاج الطاقة، لأنه جرى عقد صفقات شراء معامل وتبين فيما بعد أنها غير صالحة، ومنذ ذلك الوقت لم يجر معالجة الأزمة عبر إيجاد حل جذري بعيدا عن الصفقات المشبوهة، وكان من نتيجة ذلك أن ترتب ديون على المؤسسة نحو أربعين مليار دولار من أصل الدين المتراكم على الدولة.. إن هذه الأزمة التي بلغت هذا المستوى، إنما هي ناتجة عن السياسات الريعية التي اعتمدتها الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ 25 عاما.. والأخطر أن هذه الطبقة مصرة على مواصلة هذه السياسات الريعية عبر الاستمرار في سياسة الاستدانة من الخارج، من خلال الاقتراض من مؤتمر سيدر، وبالتالي مواصلة الإنفاق بدون حساب، وإن تجاوز بشكل خطير نسبة المداخيل.. وعندما بدأت هذه الطبقة السياسية نقاش سبل خفض العجز لجأت مباشرة كعادتها إلى التفكير في خفض رواتب وأجور الموظفين والعسكريين وفرض سلة جديدة من الضرائب غير المباشرة، التي تحمل العمال والشغيلة والفئات الصغيرة والوسطى المزيد من الأعباء المعيشية التي تقود إلى تراجع مستمر في قدرتهم الشرائية وبالتالي زيادة حدة الفقر والحرمان لدى الفئات المحدودة الدخل.. وفي حين تجنبت الطبقة السياسية، بل ورفضت تحميل الأثرياء وأصحاب المؤسسات المالية العبء الأساسي لمعالجة الأزمة، انطلاقا من قاعدة أن الأكثر قدرة ودخلا يجب أن يتحمل أكثر، كما امتنعت عن التفكير في اتخاذ إجراءات لتحصيل حقوق الدولة في الأملاك البحرية التي يستغلها أصحاب الثروات والشركات التي تجني من ورائها الأرباح الطائلة..ما يعني انحيازا من الطبقة السياسية الحاكمة إلى جانب أصحاب المصارف والشركات المالية والأثرياء، الذين تشترك معهم في تقاسم هذه الأرباح.. وهذا يعني أن هذه الطبقة ترفض النقاش في الأسباب التي أدت إلى غرق لبنان في الديون والأزمة المتفاقمة، ولا تريد البحث في إعادة النظر في السياسات الريعية المسؤولة عن هذه الأزمة.. أو مجرد البحث في سبل استعادة الدولة لأهم القطاعات التي جرى تخصيصها، وكانت تؤمن مداخيل مهمة للخزينة، وخسرتها، وأهمها.. النفط والمعاينة الميكانيكية والخليوي والبريد واشغال البلديات والمرأب والكافتيريا والسوق الحرة في المطار.. الخ، ولا البحث في سبل استعادة أموال الدولة المنهوبة من كبار الفاسدين الذين يثبت أنهم أثروا خلال توليهم مراكز مهمة في الدولة..
غير أن محاولة تحميل الطبقات الشعبية والمحدودة الدخل المزيد من الأعباء عبر إجراءات تقشفية تمس بمداخيلهم، كما سرب من النقاشات، أثار موجة سخط لدى اللبنانيين من موظفين ومتقاعدين مدنيين وعسكريين، ودفع بالمتقاعدين العسكريين إلى التحرك في الشارع منذرين بتصعيد تحركهم في حال جرى المس برواتبهم وتعويضاتهم.. في مؤشر واضح على أن استمرار الحكومة في سياستها الاجتماعية المجحفة التي تريد معالجة الأزمة على حساب الطبقات الشعبية المحدودة الدخل يهدد بدفع البلاد إلى أتون التوتر الاجتماعي والاضطراب في الشارع..
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
04/05/2019
1723