+ A
A -
من يصدق أن العراق سينعم بالهدوء والاستقرار بعد معارك الفلوجة والأنبار،سيكون من صنف أولئك الحالمين بعودة السلم في سورية تحت حكم النظام الحالي بعد تحرير الرقة من حكم الدواعش.
أحلام ستنقلب في القريب العاجل إلى كوابيس،فالذي جرى في الفلوجة سيطلق الأشباح والوحوش من جديد.
المئات الذين قتلوا بدم بارد على يد مليشيات الحشد الشعبي،النسوة والأطفال والشيوخ الذين تعرضوا لأبشع الانتهاكات،بذريعة محاربة الإرهاب، موجات التهجير والتنكيل بالمدنيين العزل، وتركهم عراة في قيظ الصحراء، ذلك كله سيفجر براكين العداء والثأر والقتل.
سيقضي «داعش» في المواجهات،لكن هذا الوحشية في التعامل مع البشر،ستفرز نسخا أشد وحشية من داعش،وتقضي إلى الأبد على فكرة الدولة الواحدة والشعب الواحد. كيف للضحايا أن يعيشوا في مجتمع واحد مع القتلة؟
كانت الفدرالية حتى وقت قريب البديل الواقعي لمشروع التقسيم والاقتتال العراقي،لكن حرب التحرير المزعومة بددت أوهام السلم والعيش المشترك.
ثمة عملية ممنهجة لشطب مكون عراقي أصيل من الوجود؛بالقتل والسحل والتهجير والتسفير. الشعار المرفوع كان تحرير الفلوجة من الدواعش، والذي حصل على الأرض فعليا، تحرير المدينة من سكانها وأهلها.
والمجازر لا تحصل في الخفاء؛بث حي وعلى الهواء مباشرة، وبإشراف قيادات إيرانية تتحرك في ميدان المعركة بوجوه عارية. الجيش العراقي الذي أنفقت عليه حكومة نوري المالكي عشرات المليارات لاعادة بنائه وتسليحه بأحدث الأسلحة، يعجز عن تحرير مدينة صغيرة بحجم الفلوجة،ويستعين بمليشيات طائفية،وخبراء إيرانيين لدحر تنظيم يعد بالمئات.
والحكومة؛حكومة العبادي التي وعدت العراقيين بعهد جديد لامكان فيه للإقصاء والتهميش ولا للمليشيات، يشرف رئيسها بنفسه على أكبر عملية تهجير جماعي في العراق، ويشهد سحق مواطنيه تحت أقدام المليشيات الإيرانية،ولايقوى على رفع أصبعه اعتراضا.
لا أحد ينكر جرائم «داعش» بحق سكان الفلوجة؛ فقد ارتكبوا أبشع الجرائم بحقهم، استخدموا النساء دروعا بشرية، ودفعوا بالأطفال إلى ساحات المعارك. حكموا المدينة بالحديد والنار. وكان أهل الفلوجة ينتظرون بفارغ الصبر يوم الخلاص،وإذا بهم يواجهون جحيما أسوأ من جحيم داعش؛مليشيات يملأ الحقد قلوبها،جاءت لتصفي حساب قرون من الزمن.
يصح وصف مفكر سياسي غربي لحال العراق اليوم»نبشوا عظام الأجداد من القبور، وخرجوا ليتقاتلوا فيها».
الفلوجة التي واجهت ببسالة الاحتلال الأميركي، وفجرت المقاومة المسلحة ضد المحتلين،وعانت من تجبر حكومات سابقة، وكافحت للتخلص من حكم الإرهابيين، تواجه اليوم عقابا جماعيا يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية.كل ذلك لإنها قالت يوما لا للاحتلال الأميركي،ولا للاحتلال الإيراني.
يقال إن معركة الفلوجة»بروفة» لمعركة تحرير الموصل ؛معقل داعش الأساسي، ومحط اهتمام جميع الأطراف. إن صح هذا التقدير فإن الموصل على موعد مع حملة أشد فتكا ووحشية من حملة الفلوجة. هناك المعاركة ستكون أعنف وأقوى من الفلوجة، لكن القوى الطائفية التي تستعد لمهاجمة المدينة،ستحيل حياة السكان إلى جحيم أشد هولا من حكم داعش.
بعد كل هذه الكوارث كيف لنا أن نتصور مستقبل العراق؟ بلدا موحدا ينعم بالعيش الرغيد؟
الوقائع الدامية تفيدنا بالحقيقة المرة،ليس في العراق فحسب، بل في سورية أيضا؛كيانات تتحلل،وشعوب بلا هوية، وأوطان تحكمها بساطير القوى الأجنبية، ونسخ من الإرهابيين،الدواعش مقارنة معهم مجرد تلاميذ.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
16/06/2016
2684