+ A
A -
من البلاوي العديدة الموروثة في كثيرٍ من بلدان العالم الثالث: «الفجور في الخصومة»، إضافة إلى الأمراض المزمنة الثلاثة ألا وهي: الفقر والجهل والمرض.
وغنيٌّ عن البيان القول: إن أمماً وشعوباً تعاني من آفات الفقر والجهل والمرض تشغل نفسها بآفة لا تقل فتكاً عن تلك البلاوي الكبيرة، فتقع في خصوماتٍ كبيرةٍ تئد ما تلقى من أملٍ للشعوب الغلبانة في مستقبلٍ تشرق عليه أفراح الحياة.
والشعوب غلبانة، فلا هي راغبةٌ في خصومة ولا هي سعيدةٌ بها، إنها تسعى بكل ما أوتيت من عزمٍ ومضاء للتخلُّص من آفاتها الموروثة في الفقر والجهل والمرض.
وفي أحلك الظُّروف التي تمرُّ بها الأوطان، تبقى هناك نافذةٌ مشرعةٌ تسمح لرياح الأمل والتغيير أن تهبَّ، منعشةً الصدور، مهيِّئةً الأرض للإخصاب، وبذر حبوب المحبة، والبناء..
في بلادي فلسطين التي استباحتها العصابات الصهيونية، لم تنجرف الجماهير مع البكّائين، النَّوّاحين المعدِّدين على ضياع الأرض، فقد أخذت هذه التيمة وقتها، ثمّ انزاحت إلى غير رجعةٍ، لتحلَّ محلَّها نغمةٌ أخرى: تغني للحياة والأمل، والبناء، وحب الأرض.. غنّت الجماهير مع توفيق زيّاد الذي كان ابن الإنسانية بعامةٍ، فغنى لشجرة الزيتون في بيته، وغنت مع راشد حسين، ومحمود درويش، والقاسم، ومعين بسبسو الذي شجّع أمه على الصمود، ودعا رفاقه إلى مواصلة المسيرة التي بدأها:
لك الملايين أبناءً بلا عددِ، فلستِ وحدكِ يا أماً بلا ولدِ
إن أغلقوا بيتنا الدامي فقد فتحوا لنا الزنازين بيتاً شامخ الزَّرّدِ
لم يتخلّوا عن الحياةِ ومطالبها، من جدِّ واجتهادٍ وعمل، ونضالٍ، ولم ينساقوا وراء خصوماتٍ عبثيةٍ لا طائل لها ولا أمل مرجوَّاً منها، بل أبقوا روح الثورة والتغيير معتملة في نفوس وعزائم الناشئة، لتكو البديل عن الخصومات والمحفِّز على الأعمال الخيِّرة التي يصيب مردودها الإيجابي العموم.
وكذا الحال في سائر بلدان وطننا العربي الكبير، فقد أشار لنا التاريخ، وذكرت لنا الأخبار والوقائع، وأحوال العمران، إسهامات تلك الرموز المضيئة في تاريخ النهضة العربية، وسط دياجير الظلام، وآفات التخلف والفقر، والجهل، والمرض.
ولا مجال هنا للأمثلة، ولكنني أشير إلى وجوب أن تنأى القوى الناعمة بنفسها عن مطبّات الانكسار، والتلاسن والتلاحي، وأن يتم التركيز-عوضاً عن ذلك- على البناء والتنوير، والتمسك بقيم المواطنة، والحفاظ على إطار الدولة، والعمل على إعلاء شأنها.
بقلم: حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
26/04/2019
1724