+ A
A -
في مثل هذا اليوم من العام 851م تُوفي حاتم الأصم، أحد أشهر فقهاء المسلمين في القرن الثالث الهجري، غلبَ عليه الورع والزهد، أما الأصم فهذا لقب لحق به إثر حادثة تنم عن دماثة أخلاقه وحُسن أدبه، جاءته امرأة تستفتيه في مسألة، فاتفقَ أنه خرج منها في تلك اللحظة صوت ريح، فخجلتْ! فتظاهر حاتم أنه لم يسمع كي لا يحرجها وإنما قال لها: ارفعي صوتكِ فإني لم أسمع سؤالك، فأراها أن به بعض الصمم وسمي بذلك الأصم!
وما أروع من جبرَ خاطراً وسترَ عيباً ورأى فتظاهر أنه لم يرَ!
روى الزركلي في رائعته «الأعلام»، أن حاتم الأصم قال لأولاده إني أريد الحج… فبكوا وقالوا: إلى من تكلنا؟
وكان له ابنة مباركة قد رزقها الله بنعمة التوكل واليقين، فقالت: دعوه يذهب فإنه ليس برازق!
فخرج، فباتوا جياعاً، فجعلوا يوبخون تلك البنت، فقالت: اللهم لا تُخجلني بينهم!
فمرَّ بهم أمير البلاد فقال لبعض أصحابه: اطلبْ لي ماءً!
فناوله أهل حاتم كوزاً جديداً وماءً بارداً، فشرب، فقال: دار من هذه؟
قالوا: دار حاتم الأصم!
فرمى فيها صرة من ذهب وقال: من أحبني فليصنع مثلما صنعتُ، فرمى مرافقوه ما معهم!
فجعلت البنت تبكي…
فقالت أمها: ما يبكيك وقد وسّع الله علينا؟
فقالت: لأن مخلوقاً نظر إلينا نظرة فاغتنينا فكيف لو نظر إلينا الخالق؟!
هذه الدنيا لا شكَّ دار أسباب، ونحن مأمورون أن نأخذ بها، والأخذ بالأسباب لا يتنافي مع اليقين على الله، ولو استغنى أحد عن الأسباب لاستغنى عنها الأنبياء وهم أعلى الناس إيماناً، ألمْ ترَ أن موسى عليه السلام أخذ معه زاداً يوم ذهب للقاء الخضر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم استأجر دليلاً يوم هاجر من مكة إلى المدينة!
الفكرة موازنة بين الأخذ بالسبب وبين اليقين على الله، أن نأخذ بالأسباب كأنه لا ينفع شيء غيرها، وأن نتيقن على الله وكأن الأسباب لا تنفع بشيء!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
09/04/2019
2003