+ A
A -
فك الوديعة وبيع المصاغ أو الاقتراض لتزويج أولادك لن يضمن مستقبلهم وتأثيث شقة لهم لن يرضيهم لو لم تؤسسهم نفسيًا للولوج لعالم النجاح أو لتدريبهم لمجابهة فترات الفشل.
فلا طريق لذرية صالحة سوى بتقوى الله، لأن أحداً لن يجاملك في بنيك سوى ربك، فاتقيه ليخرج لهم كنزهم. فحتى الأجداد من أصحاب نظرية «أعز الولد» ما أن يموت ابنهم، حتى يتقاذفوا مسؤوليات أحفادهم.
أما يتامى المتقين، فتتقاذف لهم الأقلام للاقتراع «أيهم يكفل مريم». فمساعدة الابن على التنقيب عن موهبته بممارسة هوايات مختلفة أهم من حيازة الميداليات الذهبية، فتلك بطولة مؤقتة، أما الحقة فهي الكفيلة بجعل الشاب قادرا على مجابهة الحياة بدون ميداليات، بعيد فقدان المنصب والرتب أو بعيد الانفصال والمرض.
فانجاب إنسان مهما قلت تراتبيته في المجتمع، أنجح من خلفة طبيب متخصص في سفك دماء الأجنة. ومهما أنفقت من عمرك فلا تقلق من تأخر هدايا السماء، فالمليح يبطئ، لكن بنهاية المطاف، يصل لكنوز لا تقدر بثمن، وقد يمنح الله البعض هبة معرفة نقاط قوتهم مبكرًا، فيما وهبك عمرًا أطول من أيامهم الأقل.
لو شئت مساعدة أبنائك فلا تنساق للتجبر عليهم ثم توهم نفسك أنك تحسن صنعًا كون ميكانيزمات دفاعك عن نفسك تختلق مبررات لقهرك المعنوي. فأنت اسما لا تجلد، بل تكتفي بالتعنيف النفسي، بالسطوة لا بالسوط، بالإشعار بالصغار، بالصراخ، بالعبوس، بالتباخل عليه بحيث لا يجرؤ حتى على فتح موضوع مفاده: محتاج مائة جنيه يا بابا فتحرم ثم تتقاطر بخمسين مع التأكيد على : «مش عايزك تفرتكها».
أو قد تحرمه من انتقاء ملابسه مع توبيخه لو أعمل عقله كونك لا ترضى سوى بالركون لعقول الأبائية ليسير في خضم قطيعك أو يعتكز على صوابياتك. ليتكم تمنحون من رحمانيتكم لأبنائكم ولا تكتفوا بمنح أموالكم أو بتوفير وضع اجتماعي أو اقتصادي مترف.
اخفضوا لهم جناح الرفق من الرحمة في طفولتهم، ليخفضوا لكم بدورهم جناح الذل من الرحمة في شيبتكم، فالرحمة سلف ودين.
أما لو اتسمت سلوكياتكم بالطابع النيروني المبطن - كونك آمن من المراقبة المجتمعية داخل بيتك - فأني لأبشرنك بأنك ستحصد ردود فعل مدمرة على المدى البعيد قد تجعل ابنك يشعر برغبة ملحة لتحقيق فشل مدوٍ في حياته ليوصم والديه. فلطالما شعر ابنك بأنك تعامله ككلبك «روي» المدرب على تحية أصدقائك باليد.
روي: أرِ أصدقائي كيف تأكل مراعيا آداب المائدة
روي: أرهم عزفك «لللشيلو» الذي يلوي أعناق الجماهير
روي: أسمعهم كيف حفّظتُك جزء تبارك
روي: أحضر تقريرك ليشهد أعمامك علاماتك النهائية التي تشي بأنك وارث النبوغ كابرا عن كابر .. عزيزي الأب:
لو لاحظت ثوارا صغارا يجاهرون بالانتفاضة في بيتك فثق أنك طاغية كبير، مستتر تقديره (حسابك بعدين) وما أطغاك حين هزأت ذوقه وقدراته، مع أنه كان منوطا بك غرس مضادات التحطيم التي سيواجهها من محيطه.
ما أتعس أبناء، نصيبهم من أبائيتهم أقوال زائفة لم تعضدها أفعال.. فابتساماتك مصطنعة ومودتك صيني
والمُصطنع من الوِد، تفضحه المواقف
وكلمات المحبة تحبطها أفعال الخذلان
فعل صمتك حين كان يجب أن تنطق
فعل خذلانك حين كان عليك أن تساند
فعل إدانتك حين كان حريا بك أن تبرئ
فعل برودك حين كان الأجدى بك أن ترحب
فعل اندفاعك لتزويجه فيما كان عليك أن تتقصى
فعل موافقتك حين كان الصواب أن ترفض
فعل التخطي حين كان مفروضا أن تخطر
فعل غضك للطرف وقت كان مطلوبا منك أن تشهد. بالنهاية ثق أن أخطاء صغارك ستلد صوابيات وسيعثرون على كنزهم عقب مواجهتهم لعثراتهم التي ستقع لهم في «أوتوستراد» حياتهم. فلا تبتئس من فداحة زلاتهم أو من تكراراها، فهي تمرينات ومراجعة للدرس. ولا جدوى من فرض سكة حديد بعينها على شبابنا، لكن لنتفق على وجهة واحدة، هي وجه الله تعالى.
كاتبة مصرية داليا الحديدي
copy short url   نسخ
30/03/2019
3241