+ A
A -
«تمر دول الخليج هذه الأيام بأزمة اقتصادية مردها انخفاض أسعار النفط الذي تعتمد عليه اقتصاديات هذه الدول اعتماداً كبيراً، وما من شك أن ذلك له تأثيره على الإيرادات ومن ثم عجز ميزانيات الدول الخليجية وإذا لم تتخذ الخطوات اللازمة لخفض الإنفاق أو زيادة الإيرادات أو كليهما معا فستكون هناك آثار سلبية على مستقبل هذه البلاد».
ما من شك أن القارئ قد تعرض لمثل هذه العبارات من قبل سواء بقراءتها في الجرائد والمجلات أو بسماعها في المذياع أو في أي وسيلة أخرى من وسائل التواصل الاجتماعي وحتى أصبحت صحتها غير مشكوك فيها، بل تكاد تكون من الأمور البديهية والمسلم بها.
فهل يستقيم في مثل هذه الأجواء أن تكون هناك دعوة بتحديد حد أدنى للأجور في دول الخليج مع العلم بأن هذا الحد الأدنى بالتعريف سيكون أعلى من المستويات الدنيا الموجودة حاليًا.
سنبدأ أولا بعرض نبذة عن ماهية الحد الأدنى للأجور وتاريخ تطوره في العالم ثم نعقب ذلك في المقالة الثانية بتصور عن المنافع والتكاليف التي يمكن أن تنجم عن تطبيق مثل هذا الحد في الخليج، وأخيراً سنختم بالمقالة الثالثة عن مدى استقامة هذه الدعوة في ظل ظروف تناقص الإيرادات النفطية الحالية.
مع بداية الثورة الصناعية شهدت أوروبا العديد من مظاهر الاستغلال الإنساني التي تمثلت في تشغيل العمال عدداً كبيرا من الساعات، وكذلك تشغيل الأطفال دون الخامسة عشرة، هذا بالإضافة إلى وضع العمال من الرجال والنساء في اماكن للعمل غير صحية وفي بعض الأحيان غير إنسانية، مما ادى إلى انتشار الأمراض بين هؤلاء العمال، ومن ثم حدت هذه الأوضاع التي تميزت بأن يحصل أصحاب الأعمال على معظم الدخل القومي في البلد تاركين أقل القليل لطبقة العمال بأن يتنبأ الاقتصادي وعالم الاجتماع المعروف كارل ماركس بثورة العمال وإحلال الشيوعية محل الرأسمالية... هذا كما تنبأ من قبله الاقتصادي المعروف توماس مالتوس– ولكن لأسباب مختلفة– بأن تتوازن الاجور في الأجل الطويل عند حد الكفاف.
ما زالت الدول الغربية تطبق الحد الأدنى للأجور رغم نظام السوق الحر الذي تتبعه هذه الدول والذي يقضي بتدخل الدولة في أضيق الحدود بل انها ترفع هذا الحد بين الحين والآخر (وفي المتوسط أربع-خمس سنوات) ليتناسب مع مستويات الأسعار. فعلى سبيل المثال، الحد الأدنى للأجور في أميركا (2009 أوباما) 7.25 دولار في الساعة لغير المدربين و8.25 دولار للمدربين على العمل ولا يجوز للعامل أن يحصل على الحد الخاص بغير المدربين لفترة تزيد على ستة أشهر. هذا وهناك العديد من الولايات وحتى المدن التي شرعت حدا أدنى للأجور اعلى من الأجر الفيدرالي مثل سان فرانسيسكو التي رفعت الحد الأدنى إلى 12.25 دولار في 2015 على أن يزداد الحد الأدنى إلى 15 دولارا في 2018.
ملخص ما سبق أن الحد الأدنى للأجور هو حقيقة واقعة في معظم بلدان العالم المتقدم والنامي. البرازيل تعدل الحد الأدنى للأجور كل عام الأن أما الصين ومن 2004 بها حد أدنى شهري لعمال الدوام الكامل وحد أدنى لساعة العمل لعمال الدوام الجزئي. كما أن الصين تنشر بصورة دورية قائمة بالحد الأدنى لمختلف مدنها يأخذ في الحسبان اختلاف مستويات (تكلفة) المعيشة.
ما من شك أن دول الخليج يمكنها أن تقضي على العديد من المظاهر والعادات الاجتماعية التي تعد ذات تأثيرات سلبية على هذه المجتمعات أذا طبقت الحد الأدنى للأجور، من أبرز هذه السلبيات التي سنتناولها بالتفصيل في المقالة القادمة اختلال التركيبة السكانية وتركز المواطنين في القطاع الحكومي (أكثر من 90%) ومن ثم عدم توجه العمالة المحلية للقطاع الخاص والذي يؤدى إلى ضعف هذا القطاع وعدم تنويع الاقتصاد.
بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
14/06/2016
3161