+ A
A -
فشلت القمة الأميركية الكورية الشمالية الثانية، بين الرئيسين دونالد ترامب وكيم جونغ، في التوصل إلى اتفاق لحل الصراع بين البلدين، والمستمر منذ انتهاء الحرب الكورية.. لقد كان من الواضح أن هذه النتيجة انما هي حصيلة طبيعية لاستمرار واشنطن في محاولة فرض شروطها وإملاءاتها على بيونغ يانغ مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها..
فرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ لم يذهب إلى لقاء ترامب من موقع الضعف أو الخنوع للتهديد الأميركي أو للتسليم بما يريده ترامب من جوائز مقابل إنهاء العقوبات، بل إنه بالأصل هو من بادر إلى اقتراح اللقاء الأول في سياق تكتيك مدروس هدف إلى قطع الطريق على خطة أميركية لحشد تأييد العالم لتشديد الضغوط الدولية على كوريا، والعمل على تبديد هذه الأجواء وخلق، بدلا منها، مناخات وأجواء إيجابية تساعد بلاده على تخفيف الحصار وتفادي المزيد من العقوبات، واحداث المزيد من التقدم في العلاقات مع الشطرالجنوبي من كوريا على طريق إنهاء حالة الانقسام وتوحيد كوريا، بدأت خطواتها الأولى بلقاءات بين رئيسي الكوريتين على الحدود المشتركة، وهو ما أثار طبعا حفيظة واشنطن.. أما ترامب وفريقه في البيت الأبيض فقد كان يعتقد انه سيتمكن من توظيف اللقاء من أجل جعل كيم يقبل بمقايضة العقوبات مقابل نزع سلاحه النووي والصاروخي.. إذا كان اللقاء الأول في سنغافورة أذاب الجليد وأشاع أجواء من التفاؤل استفادت منها بيونغ يانغ في امتصاص الهجومية الأميركية لحشد العالم ضد كوريا وساعدت ترامب على النزول من أعلى الشجرة بعد أن ذهب في تصعيده وتهديده بضرب كوريا بقوة، فإن لقاء القمة الثاني في هانوي، لم يحقق ما كان يأمله ترامب بل على العكس جاءت نتائجه صادمة ومخيبة له، مسقطة رهانات واشنطن على فرض معادلة إنهاء العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ، مقابل نزع سلاحها النووي والصاروخي، وأصيب ترامب بخيبة أمل كبيرة.. لكن ما هو اهم ان القمة أظهرت بأن كيم جونغ يتقن فن التفاوض ويعرف كيف يوظف اللقاءات مع ترامب في خدمة أهدافه، ويحسن المناورة والاستفادة من المفاوضات من دون أن يغرق في وهم الاعتقاد بأن الإمبريالية الأميركية يمكن ان تجنح للسلم وتتخلى عن خططها للنيل من قوة كوريا الشمالية وتقويض استقلالها، وبالتالي فهو ذهب إلى التفاوض مدركا أن ضمانته في مواجهة العدوانية الأميركية وتدخلاتها إنما تكمن في الحفاظ على أسلحة قوته واستقلال بلاده، وان الولايات المتحدة لا تفهم لغة سوى لغة القوة..
لقد أثبتت بيونغ يانغ قدرة وبراعة في إدارة الصراع مع الإمبراطورية الأميركية، إن كان في اللعب على حافة الهاوية بالاستعداد للمواجهة العسكرية وعدم الخوف من الذهاب إلى الحرب، أو في إبداء الصلابة في الموقف ورفض تقديم التنازلات عن الاستقلال الوطني ومواجهة التهديد بالتهديد، وكذلك في خوض ميدان المفاوضات من موقع التمسك والدفاع عن حق كوريا في الحفاظ على استقلالها وقوتها وبرنامجها النووي، وعدم التخلي عن أسلحتها النووية والصاروخية، وإبداء الاستعداد لنزع الأسلحة النووية فقط من بعض المناطق في كوريا مقابل رفع العقوبات.. وهو ما اعترف به ترامب بالقول:«أن كوريا الشمالية لم تكن مستعدة لتقديم ما نريد لرفع العقوبات، وان الزعيم الكوري الشمالي يريد نزع السلاح النووي لكن في مناطق محددة فحسب»..
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
02/03/2019
1669