+ A
A -
واشنطن لا تقدّم البديل لحلّ هذه الأزمات بل إنها تمعن في سياسة الضغوط التي تسهم في إغراق لبنان في المزيد من الأزمات لإبقائه في مستنقع الارتهان لسياساتها، وما العقوبات المالية المفروضة على لبنان، لمحاصرة المقاومة وبيئتها خدمة لكيان العدو الصهيوني، إلا دليلاً ساطعاً على ذلك..
في هذا الإطار يندرج الفيتو الأميركي المتواصل الذي يمنع حصول الجيش اللبناني على أيّ سلاح نوعي يمكنه من التصدي للاعتداءات والانتهاكات الصهيونية على سيادة لبنان وتحرير ما تبقى من أراضيه المحتلة وحماية ثرواته النفطية والمائية من أطماع كيان العدو الصهيوني.
إنّ عنوان قبول لبنان عرض المساعدة الإيرانية، أو أيّ مساعدة روسية أو صينية، أو غيرها من الدول التي تبدي استعداداً لتقديم الدعم والمساعدة لحلّ أزماته المزمنة على أكثر من صعيد، إنما يشكل تحدياً كبيراً، لأنه سيعني التمرّد، لأول مرة، على الوصاية الأميركية، وأنّ لبنان قرّر سلوك خيار العمل على جعل مصالحه هي الأساس الذي ترسم توجهاته لمعالجة أزماته، وهذا الخيار سيكون خياراً استقلالياً بكلّ ما في الكلمة من معنى، خيار السير في بناء علاقات اقتصادية مع أيّ دولة، مبنية على المصلحة والمنفعة المتبادلة، وتصبّ في تعزيز اقتصاد لبنان الإنتاجي ومعالجة أزماته، مما يؤمّن الاستقرار الاجتماعي ويحصّن البلاد في مواجهة الاحتلال الصهيوني وأطماعه.. أما الإصرار على رفض هذه المساعدة، استجابةً للإملاءات الأميركية، فإنه سيكون بمثابة
مؤشر جديد على أنّ لبنان يخضع لوصاية الولايات المتحدة، وأنّ وجود أطراف في السلطة السياسية ترفض قبول المساعدة لا يزال يقف عقبة أمام اتخاذ لبنان قراراً جريئاً يخرجه من عباءة هذه الوصاية والتبعية التي تتسبّب بمفاقمة أزماته.. وبالتالي فإنّ المهمة الملحة، التي يجب أن تكون على جدول أعمال النضال الوطني، هي العمل لإيجاد موازين قوى لفرض تحرير لبنان من هذه الوصاية والتبعية، لأنه من دون ذلك لن يتمكن لبنان من الخروج من أزماته الاقتصادية والمالية والخدماتية والاجتماعية، والتي هي نتاج نهج السياسات النيوليبرالية الريعية الذي ساد في لبنان على مدى ربع قرن الماضي، وأدّى أيضاً إلى تعميق تبعية لبنان للنظام الرأسمالي الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وجعله خاضعاً للوصاية والإملاءات الأميركية.. إنّ معركة التحرّر من هذه التبعية الاقتصادية والسياسية إنما هي جزء لا يتجزأ من معركة الاستقلال الوطني من الاحتلال الصهيوني الذي لا يزال يحتلّ أجزاء من أرضنا، ومن دون تحقيق هذا التحرر لا أمل بتنمية حقيقية أو خروج من الأزمات التي يرزح لبنان تحت وطأتها، وهذا التحرر من التبعية يتطلب توافر إرادة وطنية لخوضها خصوصا وأن موازين القوى في لبنان مختلة لمصلحة القوى التي تدعو إلى رفض الوصاية والإملاءات والوصاية الأميركية.. ومثل هذا الأمر يؤكد أنه لا يكفي أن تكون هناك موازين قوى لمصلحة تحقيق التغيير وإنما يستدعي الأمر إرادة
وقرار شجاع وهجومي لخوض هذه المعركة لفرض التحرر من الوصاية الأميركية وجعل لبنان قادراً على بناء علاقات اقتصادية مع أي دولة إذا كانت مبنية على المنفعة المتبادلة وغير مشروطة وتحترم سيادة واستقلال لبنان.. وليس من ضرر في أن يحصل لبنان على مساعدة غير المشروطة وشبه المجانية من إيران، وان يسعى إلى تحفيز الدول الأخرى على الحذو حذو إيران في تقدم مثل هذه المساعدة التي يحتاج إليها لبنان.. وهذا يتطلب من جميع الأطراف السياسية تغليب المصلحة الوطنية واستثمار علاقاتها الخارجية بما يحقق هذه المصلحة وليس أن يكون همها الاستجابة للطلبات الخارجية على حساب هذه المصلحة.
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
17/02/2019
1824