+ A
A -
يبدو من الواضح أن واشنطن ترفع كل يوم من منسوب ضغطها على الحكومة الفنزويلية برئاسة الرئيس نيكولاس مادورو بهدف زيادة المصاعب والمشكلات في وجهها وجعلها غير قادرة على تأمين احتياجات الشعب لتأليبه ضدها وبالتالي تغيير موازين القوى لمصلحة رئيس الانقلاب خوان غوايدو الذي أعلن أن سحب تأييد الجيش للرئيس مادورو حاسم، ما يؤكد انه لا يملك تأييداً كافياً في الداخل الفنزويلي يمكنه من إزاحة مادورو والسيطرة على الحكم في البلاد.
ومن يتابع ما يعلنه المسؤولون الأميركيون يتبين له أن هناك خطة أميركية قد وضعت لمحاولة الإخلال بتوازن القوى لمصلحة غوايدو.. تقوم هذه الخطة على جملة من الخطوات والإجراءات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لتقويض عناصر قوة الرئيس مادورو وإضعاف شعبيته، ويندرج في السياق العمل على خلق المزيد من الوقائع لفرض التعامل مع غوايدو رئيساً للبلاد وتبرير تجميد الأموال والأرصدة والودائع الموجودة في البنوك الخارجية أو المستحقة من مبيعات النفط والغاز وتحويلها إلى غوايدو لتوفير إمكانات مالية كبيرة له تمكنه من استخدامها لكسب التأييد الشعبي إلى جانب خطوته الانقلابية.. وبالفعل اتخذت واشنطن قرارا ًبتجميد سبعة مليارات دولار ووضعها بتصرف غوايدو وكذلك فعلت الأمر نفسه دول عديدة تؤيد التوجه الأميركي.
على أن هذا الإجراء ترافق مع حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية تشمل هذه المرة حظر التعامل مع شركة النفط الوطنية الفنزويلية وبالتالي منع استيراد النفط من فنزويلا، وكذلك الذهب اللذين يشكلان المصدر الأساسي لدخل الحكومة الفنزويلية من العملات الصعبة وبالتالي تضييق الحصار عليها ومحاولة حرمانها من الحصول على الموارد المالية التي تمكنها من مواجهة الضغوط الأميركية وتوفير المتطلبات الأساسية للشعب.
ولم يقتصر الأمر على هذه الإجراءات، بل إن جون بولتون مسؤول الأمن القومي الأميركي الذي يتولى إدارة المعركة للإطاحة بمادورو، كشف ما كان يحضره في الكواليس، من دون أن ينتبه، عن خطة أميركية للتدخل العسكري عندما تفشل الخطوات المذكورة آنفاً في تحقيق الهدف منها في تغيير موازين القوى لمصلحة غوايدو، وهذه الخطة تستهدف إرسال قوات أميركية إلى كولومبيا المجاورة لفنزويلا تكون جاهزة للتدخل عندما يطلب منها ذلك.. وهذا الأمر تمكن بعض المصورين من كشفه عندما نجحوا في التقاط ملاحظة على ورقة قانونية لدى بولتون مدون عليها «5 آلاف جندي إلى كولومبيا»..
لكن تحقيق هذه الخطة الأميركية يبدو ليس سهلاً ودونه عقبات كبيرة، فالتدخل يحمل معه مخاطر انزلاق الولايات المتحدة إلى فيتنام جديدة حذر منها الرئيس مادورو في رسالة وجهها إلى الشعب الأميركي، فمثل هذا التدخل سيقود إلى حرب مدمرة لفنزويلا وشعبها، وأيضاً إلى غرق القوات الأميركية في حرب استنزاف كبيرة تعيد إحياء عقدة فيتنام لدى الشعب الأميركي وتفاقم من أزمات أميركا الاقتصادية والمالية.. ومثل هذا التدخل لا يحظى بتأييد مجلس الأمن وهو موضع انقسام دولي، وحكومة مادورو ستلقى دعماً من دول عديدة لمواجهة هذا العدوان الأميركي وفي طليعة هذه الدول روسيا والصين وبعض دول أميركا اللاتينية الذين أعلنوا وقوفهم إلى جانب شرعية الرئيس مادورو ودعمهم له في مواجهة أي تدخل خارجي.. لهذا فإن صحيفة الغارديان البريطانية سارعت إلى التحذير من خطورة التدخل العسكري الأميركي في فنزويلا والقول إن «التهديد الأمني الذي أطلقه الرئيس ترامب بالتدخل العسكري في فنزويلا يمثل مخاطرة كبيرة».
أما سياسة تشديد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على حكومة الرئيس مادورو فهي من ناحية تزيد المصاعب والمشكلات للحكومة والشعب، لكنها من ناحية ثانية توفر للرئيس مادورو الأساس القوي للقيام بعملية تعبئة وطنية واسعة.
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
02/02/2019
1954