+ A
A -
كان صديقي الليبي مهموماً يردد بيت شعر يجاري فيه أبوالعتاهية الذي قال فيه:
فيَا لَيتَ السنوسي يعود يَوْماً..
فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ العقيد
سألته: ما الأمر؟ فقال: جاءت صغيرتي وأنا أتابع أخبار ليبيا لتسألني ممسكة بكفيها الصغيرين لحيتي: بابا.. لماذا أنت حزين؟
ضممتها ودمعة في المآق وابتسمت، نعم أنا حزين. وقد قدمنا آلاف الشهداء وآلاف الجرحى الذين ضحوا من أجل إعادة ليبيا إلى التوازن بعد فترة حكم المعتوه، الذي جاءت به قوى الاستعمار لخدمة مآرب صهيونية، وما يحزن أن أنظمة عربية كانت على عداء معه ناصرت حلفاءه لتعيد ليبيا إلى مربع الصفر الذي كان في زمن العقيد القذافي، غير المأسوف على رحيله.
سألته: وهل كان السنوسي أفضل لليبيا والأمة العربية من العقيد الذي ربت الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر على كتفه وقال له أنت خليفتي؟.. قال: لم يحدث بعد رحيل السنوسي أي تطور يذكر وما تشاهده الآن في ليبيا هو من زمن الملك إدريس السنوسي طيب الله ثراه، ونسأل الله أن يعي الشعب الليبي أن هذه المؤامرة التي جاء بها القذافي والانقلاب على ثورة الربيع الليبي هو رفض للنهج السنوسي.
السنوسي كان عربياً مسلماً مخلصاً ومستعداً للجهاد من أجل تحرير فلسطين وفي قمة القاهرة عام 1964 تبرعت ليبيا السنوسي بأكبر مبلغ لدعم المجهود الحربي، ووفقاً لبيان الجامعة المنشور فقد تبرعت ليبيا في المؤتمر بمبلغ 55 مليون دولار، بينما تبرعت السعودية بمبلغ 40 مليوناً والكويت بمبلغ 15 مليون دولار
قلت حقاً لو أن الإنسان يعلم ما سيأتي به الغيب لاختار الواقع، رددت ذلك أكثر من مرة، حين صفقنا لثورات حملت على ظهور الدبابات رؤساء جمهوريات ولو كنا نعلم أن التحول إلى جمهورية سيجر العالم العربي إلى ما هو عليه الآن، لدافعنا عن الملكية في مصر والسودان وليبيا وسوريا واليمن والعراق بأسناننا، وإن كانت فلسطين سقطت في عهدهم، فقد كان ذلك مخططاً عملت على تنفيذه بريطانيا وتسبب ذلك غضباً في جميع القصور العربية، فوجدت بريطانيا أن التخلص من القصور الغاضبة بانقلابات عسكرية بدأت في سوريا تلتها مصر ثم العراق ثم ليبيا، فكان ذاك الواقع المرير الذي تسبب في هذا الحال الذي جعلنا نبكي مع أبي العتاهية، وهو شاعر عباسي اسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، الذي يقول:
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني
فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ
نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيب
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً
فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ
حقاً شباب الأمة في خمسينيات هذا القرن أكثر إشراقاً من شبابها الذي شاب في عز شابه فضاعت الأمة.

كلمة مباحة
سنقيم تمثالاً لقادة يقررون يوماً إزالة ما وضعته بريطانيا وفرنسا من حدود وقيود على المواطن العربي، وترسخه أميركا وإسرائيل، فهل نعي ما خططوا لنا وندافع عنه بجهل سوف يقضي علينا جميعاً؟
في شهر مارس 1964 صدر بيان مصري سعودي مشترك على إثر زيارة المشير عامر ونائب الرئيس المصري آنذاك أنور السادات للمملكة العربية السعودية يرافقهما د. شامل السمرائي والسيد أحمد توفيق المدني وعبدالحميد لقمان، سفير العراق في الكويت، وأعلن اتفاق الجمهورية العربية اليمنية والمملكة العربية السعودية على تنفيذ بيان الرياض الصادر في 4 فبراير 1964 والذي يقضي بعودة العلاقات بين البلدين.
كما أعلن البيان أن البلدين يؤيدان تأييداً مطلقاً استقلال اليمن وحريته ويقاومان كل محاولة استعمارية ضد اليمن، كما اتفق الجانبان على عقد اجتماع في «أركويت» بالسودان يضم عدداً من ممثلي القوى اليمنية المختلفة، ووقع المشير عامر والرئيس المصري أنور السادات عن مصر، والأمير فيصل عن المملكة العربية السعودية، ووقع الدكتور السمرائي والسيد المدني على هذا الاتفاق.
القرارات والنتائج
تضمن البيان الختامي مجموعة من القرارات أهمها:
- قيام إسرائيل خطر أساسي يجب دفعه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً.
- إنشاء قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية، يبدأ تشكيلها في كنف الجامعة العربية بالقاهرة.
- رداً على ما قامت به إسرائيل من تحويل خطير لمجرى نهر الأردن تقرر إنشاء «هيئة استغلال مياه نهر الأردن» لها شخصية اعتبارية في إطار جامعة الدول العربية، مهمتها تخطيط وتنسيق وملاحظة المشاريع الخاصة باستغلال مياه نهر الأردن.
- إقامة قواعد سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني لتمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره، وتوكيل أحمد الشقيري أمر تنظيم الشعب الفلسطيني.
- يجتمع الملوك والرؤساء العرب مرة في السنة على الأقل، على أن يكون الاجتماع المقبل في الإسكندرية في أغسطس 1964
وقد تبرعت ليبيا في المؤتمر بمبلغ 55 مليون دولار لصالح المجهود الحربي العربي، بينما تبرعت السعودية بمبلغ 40 مليونا والكويت بمبلغ 15 مليون دولار.
بقلم: سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
31/01/2019
2100