+ A
A -
زرت أخي الأستاذ عبدالعزيز محمد الخاطر لتقديم واجب العزاء في مصابه الجلل، فوجدته صابراً محتسباً، وكان سمو أمير البلاد المفدى حفظه الله تعالى ووفقه، قد زاره معزياً، تشريف معبر عن خلق كريم، وتكريم من سموه لعبدالعزيز وإخوانه وآل الخاطر الكرام، كما هو تقدير لكل ما يمثله كاتبنا من فكر مستنير وقيم عالية، وجدته منشغلاً بهموم الهوية وقضايا مجتمعه، لم يشغله مصابه الأليم عن هموم وطنه قطر وأمته العربية والإسلامية، قلت له: لعلك أكثرنا كتابة واهتماماً بجدل الهوية، وإذا كان لنا أجر، فإن لك أجرين، فأنت تسبح عكس تيار مجتمعي كبير.
مفكرنا يؤرقه ويشغله همان:
الأول: هم الهوية الوطنية: المجتمع يجتاحه ما يسميه (هوس الهوية) يقول: إننا بحاجة إلى الهوس بالمواطنة والهوس بالحرية قبل الهوس بالهوية، إلى تعزيز مفهوم المواطنة الحاضنة للتنوع العرقي والديني والمذهبي والثقافي، إلى بناء توافق مجتمعي يصبح أساساً للهوية الوطنية القطرية، إن معظم دولنا منخرطة بلا وعي في سؤال الهوية، وسؤال الهوية قبل سؤال المواطنة، ضرب من الوعي الزائف، الهوية التي لا تندمج في المواطنة تتحول إلى هوية قاتلة.
يتساءل متعجباً: ما معنى أن تجد منتديات للقبائل وفروعها، وفيها من التاريخ الشفاهي ما يفوق تاريخ الدول ذاتها في عصر المواطنة؟! ما معنى أن يبحث الجميع عن سند واسم تاريخي يستند إليه، وشجرة للعائلة ينتسب إليها ؟!
علينا التحرر من أسر الهويات الضيقة التي تفرقنا إلى رحابة الهوية الوطنية التي تجمعنا، الانتماء الطبيعي للعائلة والقبيلة والطائفة صحي، لكن الانتماء الأعلى للرابط الجامع، لا خوف على الهوية من الغزو الثقافي بل من صعود الهويات الأدنى على حساب دولة المواطنة، مفهوماً وولاء، وهذا ما أصاب النظام العربي، والخليجي أيضاً، بالتصدع، تحصين الدولة والهوية يكون باستشعار المواطن بمواطنيته.
الثاني: هم المجتمع الاستهلاكي: ينعى على مجتمعه (التضخم الاجتماعي السلبي) انغماسهم في الاستهلاك الترفي، حفلات الأعراس المكلفة والمزايدة فيها، ويضيف: حتى نشاطات التراث الموسمية كل عام: القلايل، سنيار، الحبال، الهدد وغيرها، أصبحت تمثل قيماً استهلاكية، وكانت في الماضي، قيماً إنتاجية، وارتباطها بالجوائز الكبيرة دليل على انتقالها إلى هذا الحيّز الاستهلاكي، عاش آباؤنا وأجدادنا منتجين، وكل ما تركوه لنا من نشاط تراثي كان محملا بقيم الإنتاج، بينما مجتمعنا الذي نعايشه اليوم أصبح ( ريعياً-رعوياً) يهمني جداً أن يعي المواطنون، أننا اليوم نمر بمرحلة مجتمع الاستهلاك بعد أن عاش آباؤنا وأجدادنا مرحلة الإنتاج، حيث كانوا يعتمدون على البحر والتجارة والزراعة والرعي.
ختاماً: الهوية هويتان:
1- هوية وطنية معمرة للأوطان، تحفز شبابنا إلى استفراغ طاقاتهم في ميادين الإبداع والاكتشاف والاختراع والهوايات النافعة، وتدفعهم للبناء والتنمية والإعمار، وتعزز مشاعر الانتماء والإخلاص والتفاني في خدمة الوطن، وتعزيز التعاون والمحبة والتسامح وقبول الآخر بين أفراد المجتمع، مواطنين ومقيمين، كما تعمل على ترسيخ قيم المواطنة باعتبارها الانتماء الأسمى الذي يعلو كل الانتماءات الأخرى، علينا إعلاء (الهوية الوطنية أولاً) والعمل على ترجمتها في إجراءات عملية يحسها المواطن على أرض الواقع، وسياسات تتيح فرصاً متكافئة لجميع الأطياف المجتمعية.
2- هوية عدوانية مدمرة، تنمي الجانب الغرائزي في الشباب، وتدفعهم للتعصب القبلي أو الطائفي أو القومي الضيق أو التطرف، وتغذي مشاعر الكراهية والاستعلاء والإقصاء في المجتمع، وتدفع شبابنا إلى التسابق في ميادين الإضرار بأنفسهم، والتسبب في موتهم، والتباهي بمظاهر البذخ والاستهلاك والولع باقتناء أثمن الأشياء والماركات والموديلات، وغيرها من المسلكيات السلبية لدى قطاع من شبابنا من الجنسين.
كان من نتائج هذه الهوية، تعميق الازدواج في الشخصية الفردية والجماعية العربية، وفِي زيادة تعصب المواطن لقبيلته وعشيرته وطائفته، وفِي المزيد من التوتر الطائفي والنزاعات المفرِّقة كما هو حاصل اليوم على امتداد الساحة العربية.
بقلم: د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
28/01/2019
2794