+ A
A -
تعيد لي ذاكرة الفيسبوك ما كنت قد كتبته على صفحتي في السنوات الماضية يوماً بيوم، من المدهش حقاً أن يعود أحدنا إلى ما كتبه خلال السنوات الماضية العصيبة والقاسية، خصوصاً أن ما نكتبه على صفحات الفيسبوك هو في أغلبه إنفعالي، ومتأثر بالحدث اليومي واللحظوي، لا أحكي هنا عن المنشورات الأدبية التي يتركها الكتاب على صفحاتهم، شعراً أو نثراً، بل عن الكتابات المتعلقة بالحدث السوري والعربي.
منذ بداية الربيع العربي أول عام 2011، مروراً بكل الافتراقات والمتغيرات والإرهاصات الكبيرة التي حدثت في بلادنا، وكيف تغيرنا نحن مع المتغيرات الحاصلة، وكيف اختلفت لغتنا وأفكارنا وحتى مفرداتنا، وكيف انسحب من حياتنا الافتراضية أشخاص ودخل آخرون، وكيف تحدثنا عن أوجاعنا الشخصية وعن أوجاعنا العامة، وكيف ترك ما يحدث أثره البالغ فينا، سواء على المستوى الصحي أو النفسي، وكيف تغيرت علاقتنا بفكرة الوطن والانتماء، وكيف تغيرت اهتماماتنا أصلاً، تتيح الذاكرة الشخصية لنا على الفيسبوك رؤية أفكارنا الماضية كما لو أنها كتاب، نعيد قراءته بدهشة بالغة، ونحن نستغرب من كمية الأحلام والآمال التي كنا نملكها، ونستغرب من مقدار الوهم الذي عشنا به، وكيف لم يقتلنا الإحباط واليأس والخذلان الذي عبرنا عنه على صفحاتنا، كيف تركنا أحياء، وإن لم يسلم منا من المرض وفقدان التوازن والاضطراب أحد.
أكثر ما يثير دهشتي في ذكريات الفيسبوك، ليس قدرتي على التعايش مع كل ما حدث، بل مقدار الجرأة التي كنت أملكها وأنا داخل سوريا، ثم بعد خروجي منها، في الكتابة عن أي شيء وعن أي ظاهرة، لم يكن شيئا يخيفني،كنت أقول رأيي كما هو، دون أي مواربة، لا بما يخص النظام ولا بما يخص الثورة، كتبت عن كل شيء تقريبا، دون أي تردد، كأن الأمل الكبير بالتغيير كان كافيا ليجعلني شجاعة في إبداء رأيي حول كل شيء، والدخول في نقاشات وجدل مفيد وعقيم مع الآخرين المختلفين، اكتشفت أنني كنت أقضي وقتا طويلا بالنقاش مع الآخرين، دون كلل أو دون إحساس بأن ثمة فخا ولغما بأي رأي يمكنه أن ينفجر في وجهي كل لحظة، كنت كمن كانت مستعدة حتى لهذا الانفجار.
غير أن هناك ما تغير مع الوقت، بدأت جرأتي في الكتابة عن الظواهر السلبية في الثورة تقل، وقل حديثي أيضا عن جرائم النظام، ولم أعد أدخل في نقاشات حول أي شيء، صفحتي صارت شيئا فشيئا، تميل إلى أن تكون صفحة شخصية جدا، أكتب فيها مشاعر شخصية وأحداثا من يومياتي وصوري وصور أصدقائي وعائلتي إضافة طبعا لكل ما يخص الشعر، كأنني مع الوقت اكتشفت أن الأمل اختفى، فبدأت بالانسحاب النفسي كي أحافظ على روحي من التلف بعد أن أتلفت الأيام قلبي، غير أن لهذا الانسحاب مبررات قوية، إذ تحول (الثوريون) السوريون على الفيسبوك إلى ما يشبه حالة النظام، وضعوا أنساقا لهم وكل من يخرج عن هذا النسق أو ذاك سيكون عرضة للتخوين والشتائم والقذف وتشويه السمعة، حصل هذا معي أكثر من مرة، وحصل مع غيري مرات كثيرة، إلى حد أننا بتنا نخشى من التعبير عن آرائنا في أي قضية طارئة تخص السوريين، إذ ثمة شرطة وأمن فيسبوكي بالانتظار، إن لم يتمكن من القبض عليك وأذيتك واقعيا فهو قادر على أذيتك نفسيا وتشويه سمعتك وتاريخك،.
هل يمكن للنظام أن ينتصر على السوريين بأكثر من أن يحولهم جميعا إلى جلادين رافضين لأي رأي مخالف وجاهزين للانقضاض بغريزة قطيعية على كل ما لا يوافق المجموع (الثوري) على رأيه؟! للأسف كشفت ذكريات الفيسبوك أن هذا حدث خلال السنوات الماضية وبعنف شديد، جعل كثر منا ينسحبون من الحديث عن أي شيء يخص الثورة وسوريا، فالسكاكين والخناجر جاهزة للطعن لدى التعبير عن الرأي، السكاكين التي يحملها الجميع، سواء أكانوا مع النظام أم مع الثورة.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
08/01/2019
3020